نقاط بداية لتغيير الواقع العربي / اسماعيل أبو البندورة

نقاط بداية لتغيير الواقع العربي

تبدو عملية صياغة نقاط بداية لتغيير الواقع العربي المتأزم الراهن من أصعب المحاولات الفكرية وأصعب الأسئلة التي يمكن أن تواجه العقل المعذب الباحث عن جواب وخلاص .
ذلك أن الواقع العربي في أفق انسداده الراهن أنتج العديد من الأزمات والإشكاليات المعقدة التي تحتاج كل واحدة منها إلى معالجات عميقة متعددة المناهج والمقاربات حيث أصبح لا يكفي المرور العاجل عليها أو مقاربتها بمناهج سطحية لا تفكك إعضالاتها وتعقيداتها .
وليس الواقع العربي الانحطاطي الراهن فريد نوعه في تعقد مشكلاته وأزماته إذ واجهت أمم كثيرة مثل هذه الحالات والإشكالات ولكنها لم تستسلم لمعطياتها وتداعياتها وإنما استدعت كل ممكناتها الرمزية والواقعية والتاريخية لبناء تصورات حول إمكانية تجاوزها وكانت البداية في صياغة نقاط البداية التي يمكن أن تؤسس لوعي جديد والانفتاح على قدرات وبدائل جديدة وحلول أخرى يمكنها أن تنقلها من الحضيض إلى السطح ومن ثم إلى الذروة .
لم تبق الشعوب المتطلعة إلى التغيير والنهضة أسيرة أزماتها وإشكالياتها وإنما مضت على طريق استنهاض قدراتها وممكناتها وأشغلت خيالها بمسألة وكيفيات التغيير وصياغة المستقبل ولم تتلبث أو تستغرق عند دعوات الاقرار والتسليم بالهامشية والموات والفناء والخروج من التاريخ واخترقت وقائعها الصعبة بهذا النزوع إلى صناعة تاريخها باستقلالية ومثابرة إنسانية وحسّ تاريخي متعاظم .
وقد يبقى كلامنا عن صياغة نقاط البداية هذا في حدوده الانشائية والرغبية إزاء تفوق الوقائع على الاحلام، وإكراهات الواقع على قدراته في حال بقينا بلا تصورات وإدراكات واستبصارات مستقبلية حادة وبلا نقاط بداية ننفذ منها ومن خلالها إلى مساحة جديدة من التفكير نبني على أرضيتها حواريتنا الواقعية حول ضرورة التغيير وتحريك الطاقات باتجاه تغيير المناهج والمسارات تمهيدا لتغيير الواقعات .
في أي قراءة انتقائية لتاريخ الأمم سنجد أن أمماً كثيرة تعرضت إلى ما تتعرض له الأمم العربية وأحيانا إلى ما هو أسوأ منه ولكنها صاغت أسئلة وأجوبة ووضعت نقاط بداية لعقلها وواقعها ومضت على طريق مختلف قادها في النهاية إلى الانتصار على أزماتها وكبواتها وتحولت إلى أمم ناهضة ومؤثرة وكان لعنصر الوعي والإرادة والتمعن في التاريخ والوجود الدور الأكبر والهام في هذا المجال .
البحث عن نقاط بداية في الواقع العربي الراهن وتأسيس البدايات هو من أدق وأعمق وأجدى المهمات الفكرية والسياسية التي يمكن لكل نخب الأمة وقواها النهضوية أن تجتمع عليها ذلك أننا صمتنا طويلا أمام هذا السيل الجارف من الوقائع الانحطاطية واستسلمنا تماماً لتجلياتها وتداعياتها وأصبحت بعض الأنظار العربية الزائغة تذهب إلى المهادنة والتخادم مع أعداء الأمة علها تجد لديهم مخرجاً أو إلهاماً أخرقاً ومأساوياً من ( الناطق باسم جيش العدو الصهيوني ) لنعرف حالنا ومستقبلنا ونعمق العداء والازدراء لذاتنا المجروحة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى