تخفيض نسبة الاحتياطي على الودائع
أ.د أحمد العجلوني
باحث أكاديمي وخبير اقتصادي
يسعى البنك المركزي الأردني إلى تحقيق مجموعة أهداف انطلاقاً من دوره كمؤسسة عامة مسؤولة عن إدارة السياسة النقدية في المملكة، حيث يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي في وضمان قابلية تحويل الدينار الأردني والمساهمة في تحقيق الاستقرار المصرفي والمالي والمساهمة في تشجيع النمو الاقتصادي وفق السياسات الاقتصادية العامة للمملكة. ويقوم بمهام عدة لتحقيق هذه الأهداف مستخدماً أدوات السياسة النقدية التي يتيحها له قانون البنك المركزي.
تصدى البنك المركزي لأزمة الكورونا منذ بدايتها، حيث قام بعدة إجراءات متوافقة مع بقية المنظومة الحكومية وإجراءاتها الاقتصادية للتعاطي مع الأزمة والحد من آثارها السلبية، كان من أبرزها تخفيض نسبة الاحتياطي الالزامي على الودائع لدى البنوك من 7% إلى 5%. وقد نتج عن هذا التخفيض إتاحة سيولة إضافية للبنوك بمبلغ 550 مليون دينار، كانت مجمّدة لا تحقق عليها البنوك أية فوائد، وأعطيت لها الفرصة بتشغيلها، أي أنها لو أقرضتها بأي نسبة فوق الصفر لحققت أرباحاً إضافية. وقد برّر البنك المركزي قيامه بهذه الخطوة -على خطورتها- بالسعي إلى تخفيض أسعار الفائدة التي تتقاضاها البنوك على التسهيلات الممنوحة من قبل البنوك لكافة القطاعات الاقتصادية بما فيها الافراد والشركات. وهنا تدور تساؤلات كثيرة حول هذا الخفض ودوافعه والنتائج المترتبة عليه، ومدى انعكاسه على زيادة المعروض من النقود وخفض تكاليف التمويل، وبالتالي المساهمة في الحد من الآثار الاقتصادية السلبية للأزمة وحفز النمو الاقتصادي.
فهل كان هناك حاجة أصلاً لتخفيض النسبة لهذا الحد غير المسبوق؟ وهل كانت مشكلة البنوك في عدم توفر السيولة لتمويل الجهات التي تحتاج التمويل؟ أم أنها متخمة بالأصل بما لديها من أموال فائضة وتزيد نسب السيولة لديها عن الحدود المقبولة! وهل كان هناك آلية محددة تضمن بأن البنوك ستعكس هذا “الكرم” من البنك المركزي بتخفيض ملموس على أسعار الفوائد للمقترضين من الأفراد والشركات الذين يفترض بأن القرار موجه لمصلحتهم بالدرجة الأولى؟
ثم إنه بعد عدة أسابيع من تطبيق هذا القرار؛ هل قام البنك المركزي بتقييم آثاره على القروض الممنوحة للأفراد والشركات المتضررة من الأزمة، أم أن هذه الأموال وجدت طريقها لمجالات أخرى تزيد من ربحية هذه البنوك بعيداً عن دعم النمو الاقتصادي؛ وباستثمارات قد تؤدي إلى المخاطرة بسلامة الجهاز المصرفي؟! أما كان الأصوب أن ترتفع نسبة الاحتياطي بدل تخفيضها؟ خاصة ونحن مقبلون على احتمالات ركود اقتصادي قد يستمر لأكثر من نهاية هذا العام، الأمر الذي يتطلب جهازاً مصرفياً اقوى.
إن نظرة سريعة على واقع الحال تبيّن بأن هذا القرار يشوبه الخلل، خاصة إذا ما علمنا بأنه لغاية الآن لم ينعكس على مؤسسات القطاع الخاص والأفراد الذين يفترض أن يستفيدوا منه بشكل مباشر، حيث ظهر ذلك من خلال ملاحظات وانتقادات بعض القطاعات الاقتصادية بعدم تجاوب البنوك مع إجراءات البنك المركزي. وما زالت البنوك تتلكأ في تحقيق الغاية من هذا القرار (وغيره من القرارات) وتتعلل بأسباب ومبررات كثير منها غير مقنع، وواقع الحال بأنها لا تريد بأي حال من الأحوال التنازل عن هوامش أرباحها؛ لا وبل تعمل على تعظيم منافعها من تساهل إدارة السياسة النقدية معها لأقصى حد.
من المثير للحيرة تشدد معالي محافظ البنك المركزي في مجرد التفكير بفرض ضريبة على شريحة من الودائع الفائضة التي تشكلّ حالة من تعطيل هذه الموارد المالية التي يجب إعادة ضخها في الاقتصاد، حيث صرّح بأن “أي حديث حول المس بالودائع أو التطاول عليها غير مقبول”، في نفس الوقت الذي يتم فيه التساهل بتخفيض نسبة الاحتياطي على الودائع إلى حدود تاريخية خطيرة. فهل أن تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي لن يؤثر على حجم الودائع مثلاً أو يعرضها للمخاطر؟!
إن البنك المركزي كمؤسسة حكومية يمثل المصلحة العامة للمجتمع ويعتبر صمّام الأمان الذي يضمن بأن الجهاز المصرفي بمؤسساته المالية الوسيطة سيبقى في حالة سليمة لكي يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي؛ وليس كبح هذا النمو بتعطيل الموارد المالية، وهو عين ما يتطلبه تحقيق هدف البنك في المساهمة في تشجيع النمو الاقتصادي وفق السياسات الاقتصادية العامة للمملكة. وبالتالي فإنه يجب التعامل مع هدف الحفاظ على سلامة الجهاز المصرفي على أنه ليس أكثر من “وسيلة” تضمن بأن هذا الجهاز يساهم بشكل فعّال في النمو الاقتصادي، وأن نشاطاته تصب في مصلحة الاقتصاد الأردني، وليس هدفاً نهائياً للبنك المركزي.
إن تخفيض نسبة الاحتياطي إلى أقل المستويات في تاريخ البنك المركزي يترتب عليه خطورة تهدد سلامة المركز المالي للبنوك على المدى القصير والمتوسط بشكل لا يخفى على البنك المركزي؛ وهي خطوة أحذّر منها ومن عواقبها، وأرجو أن يعيد البنك المركزي النظر فيها والتراجع عنها. فالأوضاع الاقتصادية التي يكتنفها الغموض والتوجس من المستقبل تحتاج تحفظاً أكبر ومراقبة أقوى على المصارف وليس تعريضها للمخاطر كما هي الحال مع هذا القرار.
حفظ الله الأردن وأدام ازدهاره
https://www.facebook.com/ProfATAlAjlouni/ https://twitter.com/Dr_AlAjlouni