حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي 2 / محمود عبابنة

حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي2
حفظ السنة النبوية الشريفة
حاول أعداء الإسلام على مر العصور وما زالوا النيل من الإسلام ومحاولة إيجاد شبهات ليستطيعوا من خلالها نقض عرا الإسلام فحاولوا مع القرآن طويلا محاولات بائت بالفشل ولله الحمد ابتداء من كفار قريش الذين آمنت سرائرهم وبواطنهم بالقرآن الكريم وكفرت ظواهرهم فجعلوه عضين فتارة يصفوه بالسحر وتارة يصفوه بالشعر, إلى عصرنا الحديث مع سلمان رشدي وآيات شيطانية وغيرهم الكثير الكثير. وكل هذه المحاولات لم تلقى آذان صاغية من المسلمين. فنحوا منحى آخر للطعن في الإسلام من خلال التشكيك في السنة والطعن في الصحابة الكرام الذين من خلالهم يطعنوا بالدِّين ككل فما وصل إلينا الدين إلا من خلالهم. ولكن للآسف الشديد هذه المحاولات لاقت آذان صاغية من أبناء المسلمين عن حسن نية أحيانا وأحيانا أخرى بسوء نية وتعمد لتشويه صورة الإسلام لفساد الباطن لديهم وتقليدا لأساتذتهم من المستشرقين وخدمة للمستعمرين لنيل مكاسب مادية ومناصب دنيوية. فأصبحنا نسمع كثيرا من المسلمين المشككين في السنة النبوية والصحابة الكرام مثل عبدالله جكرالوي ومحمد رشيد رضا والشيخ محمود شلتوت وطه حسين واحمد صبحي منصور و وجمال البنّا وعدنان إبراهيم ومحمود أبو رية في كتابه” أضواء على السنة المحمدية” وقد أحسن العلامة الشيخ مصطفى السباعي في الرد عليه ووصفه وصفا دقيقا بأنه جاهل يبتغي الشهرة في أوساط العلماء. وعلا صوتهم وألفوا الكثير من الكتب وانبرى علماؤنا الأشاوس في الرد عليهم وتفنيد حججهم ودحض كذبهم في أن الإسلام يكتفي بالقرآن وحده ونستطيع أن نلغي السنة بحجة عدم ثبوتها واختلاط الضعيف بالصحيح فيها وأن الله لم يتكفل بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن الكريم فهي معرضة للتغير والتحريف. ونحن هنا سنورد الأدلة العقلية والنقلية التي تؤكد حفظ السنة على مر العصور. فهذه بعض النقاط التي أوردها على سبيل المثال لا الحصر مستعينا بالله فنقول:
أولا: تنقسم السنة النبوية من حيث عدد الناقلين إلى قسمين متواتر وآحاد. فالمتواتر وصلنا كما وصلنا القرآن الكريم وهو ما نقله الجمع عن الجمع في كل طبقات الإسناد ممن يستحيل تواطوؤهم على الكذب. فمن آمن بالقرآن أنه محفوظ ولم يتغير, عليه أن يؤمن بأن هذه الأحاديث محفوظة وتم نقلها لدينا كما تفوه بها النبي صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقصان لأنها وصلت إلينا بنفس الطريقة التي وصل القرآن إلينا بها.
ثانيا: إن أول ركن من أركان الإسلام هو الشهادتين وهو شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا سول الله. وشهادة أن محمدا رسول الله تتضمن أصولا وأركان يجب أن تتوفر في الشهادة حتى تقبل وإلا كانت غير مقبولة وردت على صاحبها وهي:أ- تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما أخبر به. ب- طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه ج- محبته صلوات الله وسلامه عليه. فإذا كان من هذه الأركان طاعته فيما أمر ونهى فهذا يستلزم عقلا ونقلا أن تحفظ سنته لنا حتى نطيعه بها وإلا كيف بِنَا نطيعه بما لا نعرف ونعلم.
ثالثا: قوله تعالى :” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” الحجر9 ، اتخذ منكروا السنة هذه الأية دليلا لقولهم وقالوا أن الآية صريحة بأن الله تكفل بحفظ القرآن فقط دون السنة. ونحن نرد عليهم حجتهم بنفس هذه الآية ونقول إن السنة النبوية جاءت مفصله وشارحة ومبينة للقرآن الكريم فكان لزاما عقليا أن تحفظ السنة حتى يفهم بها القرآن الكريم. ولما كان هذا البيان منه صلى الله عليه وسلم بياناً لكتاب الله ، فإنه كان مؤيداً في ذلك من الله عز وجل ، وكانت سُنَّتُه وحياً من عند الله ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى) .
قال ابن حزم الظاهري : ” فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذكر ، والذكرُ محفوظ بنص القرآن . فصح بذلك أن كلامَه صلى الله عليه و سلم كلُّه محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله “. “الإحكام في أصول الأحكام ”
وقال أيضا : ” والذِّكْرُ اسم واقعٌ على كلِّ ما أنزل الله على نبيِّه : من قرآنٍ ، أو سُنَّةٍ “. “الإحكام في أصول الأحكام”
قال ابن القَيِّم : ” فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَكُلُّ وَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ ذِكْرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ . ثم يرد على من زعم أن حفظ الذكر مقتصر على القرآن وحده قائلا: “هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان والتخصيص للذكر بلا دليل فالذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه – صلى الله عليه وسلم – من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن, وأيضا فإن الله – عز وجل – يقول: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل: 44) فصح أنه – صلى الله عليه وسلم – مأمور ببيان القرآن للناس, فإذا كان بيانه – صلى الله عليه وسلم – غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه, فقد بطل الانتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه, فلم ندر صحيح مراد الله – عز وجل – منها, وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب, ومعاذ الله من هذا” ونكمل بحلقة اخرى إن شاء الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى