ضرائب ريغان وابن خلدون / د . خالد الغرايبة

ضرائب ريغان وابن خلدون
بينما كنتُ ابحث عما قاله ابن خلدون عن الضرائب التي تفرضها الدولة في مقدمتة عن طريق محركات البحث على الانترنت، وجدتُ أن تلك المحركات تأخذني الى عددٍ من المقالات التي تتحدث عن قصة الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان مع الضرائب خلال فترة حكمه الاولى والتي سادها ركود اقتصادي كبير.
فتقول تلك المقالات انه في عام ٨٢ قدم ريغان الى الكونجرس مشروع قانون الاصلاح الضريبي والذي تضمن تخفيض الضرائب على المواطنين والشركات بدل رفعها من أجل رفع ايرادات الدولة وحل مشكلة التراجع الكبير للاقتصاد الامريكي في تلك الفترة.
الواقع ان ريغان كان ينوي رفع الضرائب من أجل زيادة ايرادات الدولة الا ان مستشاره الاقتصادي الذي يدعى “لافار” اشار اليه في اجتماع لبحث الموضوع برسم منحنى على شكل نصف دائرة على ورقةٍ رفعها امامه عند اقتراح ريغان رفع الضرائب. ثم شرح لافار منحناه (والذي عرف فيما بعد بمنحنى لافار) بأن زيادة الضريبه تؤدي الى تقليل ايرادات الدولة بالمجمل بدل زيادتها، الا ان هناك نسب ضريبية مثلى تؤدي الى اعلى الايرادات الاجمالية للدولة.
الطريف في الامر أن ريغان ومستشاره الاقتصادي “لافار” اعترفا بأنهما استقيا فكرة المنحنى من افكار ابن خلدون التي ذكرها في مقدمته.
يقول النص الذي اشار اليه لافار في المقدمة:
«اعلم أن الدولة تكون في أولها بدوية كما قلنا، فتكون لذلك قليلة الحاجات لعدم الترف وعوائده، فيكون خرجها وإنفاقها قليلاً، فيكون في الجباية (ايرادات الدولة) حينئذ وفاء بأزيَدَ منه، بل يَفضُل منها كثير من حاجاتهم. ثم لا تلبث أن تأخذ بدين الحضارة في الترف وعوائدها، وتجري على نهج الدولة السابقة قبلها، فيكثر لذلك خراج (رواتب) أهل الدولة كثرة بالغة …..ولا تفي بذلك الجباية (الايرادات) فتحتاج الدولة إلى الزيادة في الجباية فتزيد في مقدار الوظائف (رسوم المعاملات) والوزائع (الضرائب المفروضة على الاملاك) ويدرك الدولة الهرم، فتقل الجباية وتكثر العوائد (المصروفات)، فيستحدث صاحب الدولة أنواعًا من الجباية يضربها على البياعات (التجارة)، ويفرض لها قدراً معلوماً على الأثمان في الأسواق، وعلى أعيان السلع في أموال المدينة. وهو على هذا مضطر لذلك بما دعاه إليه ترف الناس من كثرة العطاء مع زيادة الجيوش والحامية. وربما يزيد ذلك في أواخر الدولة زيادة بالغة فتكسد الأسواق لفساد الآمال، ويؤذن ذلك باختلال العمران ويعود على الدولة، ولايزال ذلك يتزايد إلى أن تضمحل».
لقد طبق ريغان نظرية ابن خلدون من خلال قانون الاصلاح الضريبي الذي أقره الكونچرس وادى ذلك الى نهضة الاقتصاد الامريكي في عهده واصبح ريغان بسببها احد اهم الرؤساء تأثيرا في تاريخ الولايات المتحده بالرغم من بساطة تفكيره وغبائه المعهود.
اما حكوماتنا العربية “الذكية” فقد ادارت اقتصاد دولها بمنطق محلات البقاله (مع احترامنا للبقّالين) بدل استعمال فلسفة ابن خلدون الراقية التي تتمثل في فهمه الفلسفي العميق لعلاقة الاقتصاد بالسياسة وعلم النفس والطبيعة البشرية والذي رجع اليه زعيم اقوى دولة في العالم.
ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى