تحت الضوء
د. هاشم غرايبه
صدر في أمريكا مؤخرا كتاب بعنوان “Overblown” وتعني: المبالغ فيه، وكاتبه البروفيسور جون مولر أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية أوهايو.
ويبين #الكاتب كيف ضخّم الساسة وخبراء #الإرهاب #تهديدات #الأمن #القومي وأثاروا هلعا واسعا، مع أن الواقع يدحض ذلك، فيقول إن فرصة موت الإنسان غرقا اثناء استحمامه في منزله أعلى من احتمالية موته بحادث ارهابي مدبر.
بل إن الحوادث اليومية التي لا يعيرها أحد اهتماما ولا يقلقه زيادة من يفقدون حياتهم بسببها، هي أعلى خطورة بآلاف الأضعاف من ضحايا الإرهاب، ففي عام 2019 فقط مات نحو 6590 شخصا بالولايات المتحدة أثناء عبورهم الطريق، وفي الوقت نفسه بلغ عدد حوادث إطلاق النار الجماعي بالبلاد نحو 435 حادثا، ودفع ثمنها أكثر من ألفي شخص بين قتيل وجريح، في حين أن ما بين 24 و62 ألف شخص يموتون سنويا من مرض الإنفلونزا، ومع الوفيات بالكورورنا فيصل العدد الى مائة ألف.
ينكشف زيف هذا الهلع الذي تم بثه في الغرب من خطورة (الإرهاب الاسلامي)، عندما يتبين أن ما وقع من حوادث منسوبة له تبلغ نسبتها نصف في المائة من حوادث نسبت له في منطقة الشرق الأوسط، بينما عدد العمليات التي قام بها اليمين المتطرف ضد مسلمين في الغرب خلال الفترة من 2002 – 2019 تبلغ 322 عملية أي خمسة أضعاف ما نسب الى اسلاميين.
يستخلص الكاتب أن الدوافع يظهرها تضخم ميزانية الدفاع الى ثلاثة أضعاف، وزيادة مخصصات البنتاغون التي كانت بحدود 400 مليار سنويا الى اكثر من 700 مليار، وهذه الزيادات الهائلة لم تكن بسبب زيادة التسليح أو مضاعفة عدد القوات المسلحة، بل نصفها الى مصنعي وتجار السلاح، والربع الى كبار موظفي البنتاغون والمخابرات، والربع الأخير الى المتعاقدين الخارجيين، والذين هم مستثمرون على صلة مباشرة بالقيادات السياسية والعسكرية.
بذلك لم يضف الكتاب جديدا الى معلوماتنا، فنحن المسلمون نعلم أنه لا إرهاب في الإسلام، لكنه قد يكون صادما للغربيين، كون غالبيتهم قد يكونوا جاهلين أو مضللين.
كما أنه لم يعالج انعكاسات (الحرب على الإرهاب) في منطقتنا العربية، رغم أن نتائجها كانت الأقسى مما تعرضت له شعوب الأرض.
من فرحوا بها من بيننا وكانت لهم استثمارا مربحا، هم الأنظمة السياسية الحاكمة للمسلمين، ومؤيديهم من المصابين بعاهة الإسلاموفوبيا.
وعلى رأسهم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي كان يكرر دوما الدعوة لعقد “مؤتمر دولي لمحاربة الإرهاب” لا لشيء سوى لتسويق نظامه خارجيا، واستدرار التعاطف والدعم السياسي والمالي من حلفائه الدوليين والإقليميين، تماما كما يفعل الآن عبد الفتاح السيسي الذي لا يفتأ يكرر أن “مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم”.
وأما الجنرال الباكستاني برويز مشرّف الذي أصبح رئيسا لباكستان بعد قيامه بالانقلاب على رئيس الوزراء الأسبق نوّاز شريف عام 1999، فقد تذرع بالحرب على الارهاب ليبقى في السلطة سبع سنوات، بعد إذ أجازت له أمريكا تجاوز الدستور و(الديموقراطية)، حصل خلالها على 11 مليار دولار بين مساعدات عسكرية واقتصادية.
وكذلك فعل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، الذي استغل نشاط “تنظيم القاعدة” في بلاده والجزيرة العربية من أجل تدعيم بقائه في السلطة، ناهيك عن حصوله على ملايين الدولارات سواء من أميركا أو السعودية.
أما النظام السوري فقد استثمر في محاربة الإسلاميين، مما جلب تأييد أمريكا لبقائه في السلطة بعد أن كانت ضده، مما ثبته في الحكم بعد إذ كان على وشك السقوط.
كل هؤلاء وغيرهم زالوا بعد ان استنفدت أمريكا أدوارهم، فقد رحل مشرّف عن السلطة عام 2008 وهو الآن هارب ومطلوب في بلاده، وخُلع مبارك بثورة شعبية عام 2011 وخضع للمحاكمة قبل وفاته، في حين قُتل صالح على أيدي خصومه الحوثيين عام 2017، وأما بشار وبعد أن زينت أمريكا له الولوغ في دماء شعبه، فقد بدأت الإجراءات تمهيدا لمحاكمته عليها.
فهل من متعظ!؟.