تحاسد وحقد العلماء في المجتمع الأكاديمي!!
د. مفضي المومني
الأكاديميون صفوة المجتمع وتجمع العقول وبيوت الخبرة التي يجب أن تقود المجتمع نحو التقدم،ويتوقع من هذه الفئة المهمة في أي مجتمع أن تكون منزهة عن صغائر الأمور والأمراض الاجتماعية السائدة في مجتمعاتنا، اذ يتوقع من العلماء و الاكاديمين أن ينصرفوا لعلمهم وأبحاثهم وطلبتهم والمهمة الأسمى التي يحملون لوائها، فهل الواقع في جامعاتنا وفي الجسم الأكاديمي كذلك؟ الجواب لا ، فالواقع يقول ان الجسم الأكاديمي وخاصة بمستوى التعليم العالي يعاني من مرض التحاسد والحقد بين العلماء، وان ذلك أصبح سلوكا للأسف بين الكثيرين، وبالذات ممن هم في مراكز القيادة او ممن وجدوا أنفسهم ذات واسطة أو غفلة من زمن في مواقع صنع القرار بطرق ملتفة أو دعم من جهات ما، فلا يستحوا أن يمارسوا التحاسد والحقد على زملائهم في أبشع صوره من خلال سلوكيات سأعرض بعضا منها.
أما الحسد بحد ذاته فيعرفه العلماء بأنه شعور عاطفي سلبي بتمني زوال قوة أو إنجاز أو ملك أو ميزة من شخص آخر والحصول عليها أو يكتفي الحاسد بالرغبة في زوالها من الآخرين حتى لو لم يحصل عليها، وهو بخلاف الغبطة فإنها تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط، قال الفيلسوف الشهير بيرتراند راسل… إن الحسد أحد أقوى أسباب التعاسة، ولاتقتصر التعاسة على الشخص الحاسد بسبب حسده، بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب بالآخرين، على الرغم من الحسد غالباً ما يعتبر صفة سلبية، إلا أن راسل يؤمن أن الحسد هو القوة الدافعة نحو تطبيق مفهوم الديمقراطية وذلك لتحقيق نظام إجتماعي أكثر عدلا ومساواة، مؤخرًا اقترح علماء النفس أن الحسد بشكل عام يقسم إلى حسد ضار وحسد إيجابي يشكل قوة محفزة إيجابية وهذا ما قد نسميه الغيرة أي أن تتمنى شيء لدى الآخر دون رغبة زواله عنه وتسخره كدافع لك لتصبح مثله، وفي رواية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أن الحسد مئة جزء اخذ منه العلماء تسع وتسعون وشاركوا الناس بالجزء الباقي(ولست متأكد من الرواية لكن الواقع يؤيدها).
تحاسد العلماء وحقدهم على بعض أصبح ظاهرة في مجتمعنا الأكاديمي ولا نريد دفن رؤوسنا بالرمال، فكل من يعمل في الوسط الأكاديمي وفي جامعاتنا شاهد او تعامل أو لمس أو تضرر من سلوكيات الزملاء بطريقة أو بأخرى، والمحزن في ذلك ان النتائج وخيمة لأن البعض ينشغل عن واجبه الأساسي الأكاديمي أو الإداري في التطوير والتقدم، بالإشتغال بالآخرين، فيضيع الجهد ونفقد البوصلة بقضايا جانبية، والاسوء من ذلك قتل روح الطموح والنجاح لدى الآخرين، من خلال محاولات إفشالهم أو وضع العقبات المفتعلة في طريق تقدمهم، والاسوء من كل ذلك محاولات تشويه واغتيال شخصيات الزملاء من خلال إثارة واختلاق الشائعات حولهم أو محاولات الإيقاع بهم بطرق رخيصة على مبدأ تصفية الحسابات، وتحضرني مقولة للعالم المصري احمد زويل بان الفرق بيننا وبين الغرب أنهم يبقون وراء ” الفاشل ” حتى ينجح.. ونحن نبقى وراء ” الناجح “حتى يفشل !! والأمثلة في الوسط الأكاديمي الجامعي كثيرة ولو سألت أي استاذ جامعي لوجدت لديه تاريخ من القصص والمؤامرات والمعيقات والإحباطات التي مورست عليه من البعض، زملاء أو مسؤولين، ولا ننسى أن البعض منهم يؤدي الصلوات في الصف الأول ويلبس لبوس التقى والدين، لكنه في التعامل مع زملائه يمارس ما لا يمارسه العدو الكافر !وللأسف غالبية الإساءات تمارس بالسر والتورية والتقيا، حيث يبدي لك أحدهم وجه طفل بريئ ويبتسم لك! وفي داخله غل وحقد مستتر، ينتهز أول فرصة ليصب ما بداخلة للإساءة والإيقاع بزملائه للأسف، وكل ذلك صورة من التحاسد والحقد الذي يؤثر سلبا في مسيرة التعليم العالي ويعطي صوره مهزوزة عن الجامعات والتعليم العالي لا تليق بنا!!.إذا علمنا أن هنالك إدارات جامعية وأشخاص تسنموا الإدارة دون وجه حق وعن غير كفاءة بل بالواسطة وبوس الأيادي ومسح الجوخ! وهذا النوع للأسف ورم سرطاني يسري في جسم الإدارة الكاديمية في جامعاتنا وفي بلدنا للأسف، وهذا النوع من الإدارات في مواقع القيادة الأكاديمية ابتداءً برئيس القسم أو العميد او نائب الرئيس أو الرئيس، وبالذات ضعاف الشخصية وعديمي الثقة بأنفسهم منهم ممن حملتهم الواسطة للمنصب الإداري، يبدأ عمله الإداري بإدعاء المثالية والحرفية في التعامل مع القانون وتسخير سلطته للإعاقة فقط، ولا يسجل لمثل هؤلاء أي نجاحات بل أنهم وبال ونقمة على الجسم الأكاديمي، ويهدفون دائما لتصدر المشهد بإزاحة زملائهم الناجحين وسرقة جهودهم أمام المسؤول الأعلى، او التأثير سلبا عليهم بطرق رخيصة، ومحاولة تحييدهم لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم انهم إعاقات وعاهات إدارية، وأنهم اقل علماً وإدارةً ممن يستهدفونهم من زملائهم، وان وجود المتميزين يشكل خطرا عليهم، غير آبهين بمصلحة المؤسسة والعملية الأكاديمية، وفي حالات معروفة يبحثون عن كل ما يعيق تقدمهم من خلال إعاقة معاملاتهم للترقية أو البحث العلمي أو المشاريع أو إقصائهم عن أي لجنة أو جهد مؤثر، وفي حالات إخفاء كتب أو دعوات تخصهم، وكما أسلفت بطرق دونية وبيروقراطية سخيفة ومتخلفة، وفي أحيان أخرى تأليب الطلبة أو الزملاء وعمل كولسات تصب في محاولات التأثير على كل زميل ناجح ومحاولة اغتيال شخصيته، وأنا لا أبالغ بل أترفع عن ذكر الكثير من المشاهدات التي خبرتها في عملي الأكاديمي عبر سنين خلت، أو التي نقلت لي من زملاء في جامعات ومواقع أكاديمية مختلفة، وأكاد أجزم أن كل أكاديمي يقرأ هذا المقال مر بتجارب ومشاهدات في وسطنا الأكاديمي تجسد التحاسد والحقد بين الأكاديمين ربما أكثر مما ذكرت للأسف.
ربما أصبحنا بحاجة لمدونة سلوك أو مدونة ضبط أخلاقي في الوسط الأكاديمي وكذلك رقابة على عمل الإدارات من المستوى الأدنى الى الأعلى في الوسط الجامعي لكي لا يوغل البعض في تسخير مركزه الأكاديمي أو الإداري للتأثير على زملائه بطرق رخيصة وركيكة او محاولة إغتيال شخصية الآخر، فيضيع الجهد ويسود جو التحاسد والحقد الأعمى ويهبط المستوى، فينشغل الناس ببعضهم وننسى الدور الأساس للأكاديميين كصفوة وقادة لمجتمعاتهم نحو التقدم والتغيير نحو الأفضل، فلا يجوز ترك أي شخص في منصب أكاديمي او إداري يصول ويجول حسب اهوائه دون رقيب او حسيب من باب الحفاظ على هيبته وهيبة المؤسسة، واختزال المؤسسة بشخص الإداري الأول خاصة إذا كان فاشلا بكل المقاييس، واعتقد أن المشهد هذا يمكن إسقاطه على أماكن كثيرة في مؤسساتنا الأكاديمية، ولا أنسى قضية القوانين والأنظمة والتعليمات التي يجب أن لا تكون مطاطة وعامه تتيح لكل ضعيف نفس أو جاهل استخدامها كما يحلو له لتمرير أمراضه النفسية وضعف شخصيته على زملائه ومؤسسته.
أخيراً نتمنى أن يسود الود والموضوعية والمحبة وروح التعاون والمنافسة وليس المحاسدة والحقد أوساطنا الأكاديمية لكي نتقدم ويكون الأكاديمي نموذج مثالي لزملائه وطلبته ومجتمعه…..حمى الله الأردن.