تجديد الخطاب الإسلامي

تجديد #الخطاب_الإسلامي
د. #هاشم_غرايبه
يواجه الخطاب الإسلامي الآن تحديا هاما، ففي حين تزخر مكتبتنا الإسلامية بالكثير من الكتب التي تخاطب العقل المؤمن، لكن قليلين من الكتاب والمفكرين يوجهون خطابهم لمن لم يفهم الدين عن طريق العقل، بل اعتُبِروا مسلمين لأنهم موجودون في مجتمعات مسلمة، منهم من لم يحبذ التصادم مع المحيطين به، فهادن مؤقتا، وسكت على مضض، لكنه ما أن يجد من يشاكله في تفكيره، ينطلق معه وكأنه فُكّ من عقال.
وآخرين كانوا متمردين على المجتمع بسبب عدم رضاهم عن وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، أو لأن ظروفهم وامكانياتهم لم تمكنهم من تحقيق الذات، فباتوا ناقمين على محيطهم، متمثلا بقيمه وعاداته، وبشكل رئيس معتقده الديني، لذلك فما أن يجدوا آخرين اتبعوا معتقدا فكريا أو سياسيا نقيضا، سرعان ما يلتحقوا بهم.
هذان الصنفان يشتركان في صفة واحدة، وهي أنهما يعتقدان أن فكر الآخر (الأجنبي) عقلي جدلي فيما الفكر الديني منغلق على مقولات جامدة، وذلك لأنهم لم يبذلوا أي جهد في فهمه، ولم يبذل المؤمنون به أيضا جهدا يذكر في تفهيمهم إياه بلغة العقل والإقناع، في فترة تكون وعيهم وتفتح مداركهم.
ذلك أن من يطورون فهمهم الديني ذاتياً قليلون، فالأغلبية معلوماتهم الأساسية عن الدين مكتسبة من المدرسة الإبتدائية، ولما كان الدين فلسفة عميقة، ولغة القرآن فائقة القوة والبلاغة، وبعيدة تماما عن اللهجة الدارجة البسيطة التي يفهم بها الطفل، فليس من السهل عليه فهمها، لذلك يلجأ الى الحفظ الأصم لتحقيق الدرجة الأعلى في الإمتحان، من غير فهم ولا ربط في العقل مع دلالات حسية، فتنشأ فجوة عقلية كبيرة من الصعب على الناشئة ذوي المدارك المحدودة تجسيرها.
لذا فهو يحتاج الى أساليب ووسائل شرح وإيضاح عالية الجودة، بالإضافة الى معلمين مؤهلين وأكفاء لشرحها بالطرق الحديثة، وليس بالتلقين.
المناهج المدرسية في جميع الدول الإسلامية، وضعت بخبث من قبل خبراء تربويين، انتجهم الغرب ودربهم تحت عنوان تطوير التعليم وفق المفاهيم الحديثة، لمساعدة الأنظمة السياسية في برامجها التغريبية، التي تسعى الى قطع المجتمعات عن الإسلام، بذريعة التقدم واللحاق بالغرب. لذلك فهي تعلم الدين كثقافة وليس كعلم، وفي المراحل الأولى فقط، وتركز على تعليم التلاميذ العبادات والأدعية كطقوس، ولا تعلمهم فلسفتها وغاياتها، وتلقنهم إياها تلقينا، ولا تعلمهم كيف يناقشونها عقليا ويربطون بينها منطقيا وبين مقاصدها.
بعد عمر البلوغ (عمر تكون الوعي والموقف الفكري) ينقطع تعليم الدين، ولا يعود الطالب في الجامعة يعلم عنه شيئا، وتوجهه النشاطات اللامنهجية بعيدا عنه، بهدف تشكيل فكر الشاب وفق متطلبات العلمنة.
وبذلك تتم صياغة مفاهيم النشء الجديد، على أن العقيدة الدينية مرتبطة بمفاهيم ماضوية، وتاريخا عفا عليه الزمن، بالمقابل فالعلم والتقدم يتمثل بالغرب المتفوق.
هكذا تنشأ الفكرة الخاطئة أن هنالك تناقضا بين الدين والعلم، ومن هنا تنبني تصورات في نفوس الشباب الذين نجحت هذه السياسات الممنهجة في تفريغهم من ارتباطهم بالعقيدة، تصورات متعالية تجاه المتدينين، على أنهم ظلاميون لايسمحوا لشمس الغرب المتنورة أن تضيء نفوسهم، وينجح هذا التصور بخلق حالة من التعصب المضاد للفكر الديني، فيغلق العقل دونه، فلا يعود يناقش المقولات الملحدة التي ليس عليها أي دليل مادي أو فلسفي، فلا تنبني إلا على الشك فقط، ولما أنه اعتبرها منزهة عن الخطأ لأن من قالوا بها مفكرون غربيون، فهولا يخضعها لميزان المنطق ولا للتحكيم العقلي.
أهمية تطوير الخطاب الديني التقليدي المستغرق في الوعظ والحث على الإكثار من العبادات، تتجلى في أنه وقف عاجزا أمام هذا المخطط الخبيث خلال القرن المنصرم، الذي كاد لينجح بتقطيع الرابط الديني شيئا فشيئا، لولا أن الله لهم بالمرصاد، فقد كشف عن فشل الأنظمة وتآمرها مع المستعمر، وعرّاها أمام الأجيال الجديدة، وتمثل ذلك بما سمي بالصحوة الإسلامية، والتي عبرت عن عنفوانها بالموجة الأولى من الثورات العربية المجيدة علم 2011، وكان عمادها هؤلاء الشباب المستهدفون.
لقد مد الله لمعادي الدين من الأنظمة الحاكمة لشعوب الأمة والمنافقين، فأعمى بصيرتهم، وتوهموا أن الحرب على (الإرهاب) قد أنجتهم من تلك الثورات، لكن الموجة الثانية قادمة لا محالة، لذا يجب التهيؤ لها بخطاب إسلامي متطور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى