تأمّلات في أحاديث (أكثر أهل النار النساء)

تأمّلات في أحاديث (أكثر أهل النار النساء) – #ماجد_دودين

النصوص المخبرة بكثرة #النساء في #النار؛ ليس القصد منها التقنيط من رحمة الله تعالى، وإنما سيقت للتحذير، ورفع همم النساء إلى عتق أنفسهن من النار، بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة النساء في النار، أرشدهن إلى الصدقة.

لقد كانت أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مرِّ القرون مصدر نور ونبراس هداية لكل مؤمن، فهي تبيّن سلوك المقرَّبين من الله تعالى، والعلاقات الإنسانية السليمة، وحُسن الخلق، وكل ما يجب على المسلم أو المسلمة معرفته. وبالنسبة للمؤمنين الحقيقيين، فإن الأحاديث الصحيحة لها منزلتها السامية وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع. وهناك الآلاف منها منقولة عن نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم. ولكن ضع في اعتبارك أن هناك فخًا يجب على المرء تجنبه وذلك عندما يدرس شخص عادي الحديث دون توجيه من عالم متعلّم، فقد يصاب بالارتباك وتختلط عليه بعض الأمور التي يتعيّن عليه أن يسأل العلماء والفقهاء أصحاب الاختصاص عنها، ليدرك معانيها ومراميها ومدلولاتها والأحكام المستقاة منها

من الأحاديث التي يلتبس الأمر على البعض فهمها حديث: (أكثر أهل النار النساء). وعند سماع هذا الحديث تصاب بعض النساء بالتشاؤم واليأس بعد أن لم يجدن تفسيراً شافياً وافياً لِما يعنيه. وقد استخدمه بعض الرجال للسيطرة على النساء واستغلالهنّ لمصلحتهم. وفي هذه العجالة سأوضح بعض المفاهيم الخاطئة حول هذا الموضوع.

قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ((أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)).

قال رشيد أحمد: “إن النساء أكثر عدداً من الرجال، ولذلك نجدهن أكثر عدداً في النار وفي الجنة.” وقد ثبت ذلك بحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَكْثُرَ الجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ).  [صحيح] – [متفق عليه]

قِيامُ الساعةِ لا يَعلَمُ مِيقاتَه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، ومع ذلِك قدْ جَعَلَ عَلاماتٍ على قُربِه؛ ليَحذَرَ المُسلِمُ ويَعملَ لذلك اليومِ العظيمِ.

بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات قرب قيام الساعة أن يرفع العلم بالشريعة وذلك بموت العلماء، ونتيجة ذلك يكثر وينتشر الجهل، وينتشر الزنا وتشيع الفاحشة، ويكثر شرب الخمر، ويقل عدد الرجال ويزيد عدد النساء؛ حتى إنه يكون لخمسين امرأة رجلٌ واحد يقوم بأمورهن ويتولى مصالحهن.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِع النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَذكُرُ أنَّ مِن عَلاماتِ قُرْبِ قِيامِ السَّاعةِ أنْ يُرفَعَ العلمُ النَّافعُ المقترِنُ بالعملِ الصَّالحِ؛ وذلك بقَبْضِ أهلِه ومَوتِهم، لا بمَحْوِه مِن الصُّدورِ، فيَتَّخِذُ النَّاسُ عندَ ذلك رُؤوسًا جُهَّالًا، يَتحمَّلون في دِينِ اللهِ برَأيِهم، ويُفتُون بجَهْلِهم، فيَتمكَّنُ الجهلُ مِن النَّاسِ، ويَفْشُو بيْنهم، فيَنتُجُ عن ذلك زَوالُ الخَشيةِ مِن القُلوبِ، ويَفشُو الزِّنا، وتَنتشِرُ الفاحشةُ، فيَظهَرُ ظُهورًا واضحًا مع أنَّ اللهَ قدْ حرَّمَه فقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]، وتُشرَبُ الخَمرُ بكثرةٍ، ويُصبِحُ شُربُها مُنتشِرًا ومُشتهِرًا بيْن النَّاسِ رَغمَ تَحريمِه؛ قال تعالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] والخمْرُ مِن التَّخميرِ، وهو: التَّغطيةُ؛ سُمِّيتْ به لأنَّها تُغطِّي العقْلَ، فتكونُ رَأسًا لوُقوعِ العبْدِ الشَّاربِ في المُوبِقاتِ.

ومِن عَلاماتِ اقترابِ القِيامةِ أيضًا أنْ يَتضاعَفَ عَددُ النِّساءِ بالنِّسبةِ إلى عَددِ الرِّجالِ، حيثُ يَقِلُّ مَن يُولَدُ مِن الذُّكورِ، ويَكثُرُ مَن يُولَدُ مِن الإناثِ، أو يَقِلُّ عدَدُ الرِّجالِ نَتيجةَ الحروبِ والفتوحِ، حتَّى لا تَجِد الخمْسون امرأةً سِوى رجُلٍ واحدٍ يَكفُلُهنَّ ويَعولُهنَّ ويَقومُ بشُؤونِهنَّ.

وكأنَّ هذه الأمورَ الخَمسةَ خُصَّت بالذِّكرِ؛ لكَونِها مُشعِرةً باختلالِ الأمورِ الَّتي يَحصُلُ بحِفْظِها صَلاحُ المَعاشِ والمعادِ، وهي الدِّينُ؛ لأنَّ رفْعَ العِلمِ يُخِلُّ به، والعَقلُ؛ لأنَّ شُربَ الخمرِ يُخِلُّ به، والنَّسَبُ؛ لأنَّ الزِّنا يُخِلُّ به، والنَّفسُ والمالُ؛ لأنَّ كَثرةَ الفِتَنِ تُخِلُّ بهما، واختِلالُ هذه الأمورِ مُؤذِنٌ بخَرابِ العالَمِ.

وفي الحديثِ: أنَّ قَدَرَ اللهِ تعالَى قد سَبَق أن يكونَ خَرَابُ الأرضِ عَقِيبَ كثرةِ الفَسادِ فيها. وفيه: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقَبْضِ العُلماءِ. وفيه: عَلَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيثُ أخبَر بما سيَحدُثُ في آخِرِ الزَّمانِ.

قال الملا علي القاري: «أول الأمر أن تكون أغلب النساء في النار، ثم يخرجن فيدخلن الجنة، فيكون أكثرهن في الجنة، أو أكثرهن يستحقن النار، فيغفر الله لهن، فيكون أكثرهن في الجنة».

ويبقى السؤال، لماذا لا تزال النساء يشكلن الأغلبية في النار؟

وقد روى الإمام البخاري حديثاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل واحد منهم زوجتان) وذكر الحافظ ابن حجر أن الزوجات هن نساء الدنيا. وذكر أن أبا هريرة استدل بهذا الحديث ليثبت أن النساء في الجنة أكثر من الرجال. ولكن يبدو أن هناك تناقضاً بين الروايتين، فيجمع ابن حجر بين الأمرين فيقول: “إن كون أكثرهم في النار لا يقتضي أن أكثرهم لا يكون في الجنة”. وهذا مثل قول قائل: إن المسلمين كثيرون في جنوب أفريقيا، وهذا لا يعني أن المسلمين قليلون في الهند، وقد خالف العلامة أنور الكشميري ابن حجر في هذه المسألة، فقال: إن الحافظ (أي ابن حجر) رد على الحديث رداً ضعيفاً، قال الكشميري: “والنساء المقصودات هن الحور العين، كما في البخاري عن أبي هريرة: (لكل رجل زوجتان من الحور العين) “. فيجمع بذلك بين الحديثين.

وقد أثبت الإمام القسطلاني أن المرأة في النار هي التي لها هذه الصفات الخاصة، ففي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلّم: إنَّ الفُسَّاقَ هُم أهلُ النارِ. قيل: يا رسولَ اللهِ، ومَنِ الفُسَّاقُ؟ قال: النِّساءُ. قال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أَوَلَسْنَ أُمَّهاتِنا، وأخَواتِنا، وأزْواجَنا؟ قال: بلى، ولكنَّهم إذا أُعطِينَ لم يَشكُرْنَ، وإذا ابتُلِينَ لم يَصبِرْنَ.  الراوي: عبدالرحمن بن شبل | المحدث: شعيب الأرناؤوط | المصدر: تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 15531 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (15531) واللفظ له، وعبد بن حميد (314) مطولاً، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) بعد حديث (2574) باختلاف يسير

   حَذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه عامَّةً، والنِّساءَ خاصَّةً مما يَتسبَّبُ في وقوعِهِنَّ في الآثامِ في الدُّنيا، ثم الوقوعِ في عِقابِ اللهِ في الآخِرةِ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ الفُسَّاقَ هم أهلُ النارِ” والفِسقُ هو الخُروجُ عن طاعةِ اللهِ، والفُسَّاقُ همُ الخارِجونَ عن طاعَتِه بأيِّ شَكلٍ مِن أشكالِ المَعاصي والذُّنوبِ، “قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، ومَنِ الفُسَّاقُ؟” الذين تَقصِدُهم بهذا التَّحذيرِ “قالَ: النِّساءُ”، ولَفظُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هنا على الإطلاقِ، “قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ” مُستَفهِمًا ومُتعَجِّبًا مِن كَونِ النِّساءِ هُنَّ الفُسَّاقَ الذين يَدخلونَ النارَ، “أوَلَسنَ أُمَّهاتِنا، وأخَواتِنا، وأزواجَنا؟” فالنِّساءُ هُنَّ الأُمَّهاتُ اللَّاتي أنجَبْنَ الرِّجالَ والصَّالِحينَ، وهُنَّ الأخَواتُ والزَّوجاتُ اللَّائي يَعِشْنَ مع الرِّجالِ ويُشارِكنَهمُ الحياةَ، فما سَبَبُ ذلك؟ “قالَ: بَلى، ولكِنَّهنَّ إذا أُعطينَ” شَيئًا مِنَ المالِ، أو أيَّ عَطاءٍ “لم يَشكُرْنَ” مَن أعطاهُنَّ حَقَّ الشُّكرِ، بل يَسخَطْنَ ويَنسَيْنَ بَعدَ ذلك، ويَجحَدْنَ ما أخَذْنَه، “وإذا ابتُلينَ لم يَصبِرْنَ” فإذا وَقَعنَ في مِحنةٍ وشِدَّةٍ لم يَصبِرْنَ عليها، بل يُكثِرْنَ الشَّكوى والجَزَعَ. وهذا تَحذيرٌ لِمَنِ اتَّصَفْنَ مِنهُنَّ بهذه الصِّفاتِ السَّيِّئةِ، وإلَّا فمِنهُنَّ الشَّاكِراتُ الحامِداتُ المُحسِناتُ في عِشرَتِهِنَّ، الصَّابِراتُ على صُعوباتِ الحياةِ. وقيلَ: لَعَلَّه قالَ ذلك لِمَا يَغلِبُ على النِّساءِ مِنَ الهَوى والمَيلِ إلى عاجِلِ زينةِ الحياةِ الدُّنيا، ولِنُقصانِ عُقولِهِنَّ، فيَضعُفْنَ عن عَمَلِ الآخِرةِ والتَّأهُّبِ لها؛ لِمَيلِهِنَّ إلى الدُّنيا والتَّزيُّنِ بها، وأكثَرَهُنَّ مُعرِضاتٌ عنِ الآخِرةِ، سَريعاتُ الانخِداعِ لِراغِبيهِنَّ مِن المُعرِضينَ عنِ الدِّينِ، عَسيراتُ الاستِجابةِ لِمَن يَدعوهُنَّ إلى الآخِرةِ وأعمالِها، فيَقَعنَ في العِقابِ والنارِ.

وقال صلى الله عليه وسلّم: ” يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ، أكْثَرُ أهْلِ النَّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ.” صحيح مسلم

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتعهَّدُ النِّساءَ بالمَوعِظةِ كما يَتعَهَّدُ الرِّجالَ، وكَثيرًا ما كان يُذكِّرُهُنَّ بعُيوبِهِنَّ وأمراضِهِنَّ، ويَطلبُ مِنهُنَّ تَحصينَ أنفُسِهِنَّ وعِلاجَ ما يَقَعنَ فيه من أخطاءٍ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عَنهُما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في يَومِ عيدٍ، وبعد أن أنهى الخُطبةَ؛ تَوجَّه إلى جَماعةِ النِّساءِ، والمَعشَرُ: كلُّ جَماعةٍ أمرُهم واحدٌ، وخَصَّهُنَّ بالمَوعِظةِ -كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ من حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ- فأمَرَهُنَّ أن يُخرِجنَ الصَّدَقاتِ من أموالِهِنَّ، وأمَرَهُنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا أن يستغفِرنَ اللهَ، وقد يُعبَّرُ به عنِ التَّوبةِ، وعلَّلَ هذا الأمرَ بكَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى -في رِحلةِ المِعراجِ أو غيرِها- أكثَرَ أهلِ النَّارِ من النِّساءِ، فيكونُ أمرُه لهنَّ بالصَّدقةِ؛ لأنَّها تَزيدُ في الحَسناتِ وتُطفِئُ غضَبَ الربِّ، فأرشَدَهنَّ إلى ما يُخَلِّصُهُنَّ من النَّارِ، وهو الصَّدقةُ مُطلقًا؛ لعلَّ اللهَ يَرحمُهنَّ بسَببِ الصَّدقاتِ، وكذلك باستِغفارِهِنَّ اللهَ سُبحانَه على ما اقتَرَفْنَ من ذُنوبٍ ومعاصٍ، ولمَّا سَمِع النِّساءَ ذلك سألَتِ امرأةٌ منهُنَّ «جَزْلَةٌ»، أي: ذاتُ عَقلٍ ورأيٍ، بِمَ استَحقَقنا ذلك؟ فبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّبَبَ بأنَّهُنَّ يُكثِرنَ اللَّعنَ، وهو السَّبُّ والشَّتمُ، أو الدُّعاءُ بالإبعادِ والطَّردِ من رَحمةِ اللهِ، ويَدورُ هذا اللَّعنُ على ألسِنَتِهِنَّ كَثيرًا لِمَن لا يَجوزُ لَعنُه، وكان ذلك عادةً جاريةً في نِساءِ العَرَبِ، فحذَّرَهُنَّ منه لِيَترُكْنَه، ويَكفُرنَ العَشيرَ، والمرادُ بالعَشيرِ الزَّوجُ، والمعنى: لا يَشكُرنَ أزواجَهُنَّ، ولا يَعتَرِفنَ بِفضلِهم، وقد فسَّره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في روايةٍ أُخرى عند البُخاريِّ ومُسلِمٍ بقَولِه: «لو أحسَنْتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّه، ثمَّ رأَت منكَ شَيئًا، قالت: ما رأيتُ مِنك خيرًا قَطُّ!»، فتقابِلُ ذلك الإحسانَ بالجُحودِ والإنكارِ، فقد غَلَبَ استيلاءُ الكُفرانِ على فِعلِها، فكأنَّها مُصِرَّةٌ عليه، والإصرارُ يَجعَلُ الذَّنبَ اليَسيرَ كبيرًا، وذلك أنَّ حَقَّ الزَّوجِ عظيمٌ، فَيَجِبُ عليها شُكرُه، والاعترافُ بِفضلِهِ؛ لِقيامِه على أُمورِها، وصيانتِه وحِفظِه لها، وبَذلِ نَفسِه في ذلك، وقد أمَرَ اللهُ مَن أُسديَت إليه نِعمةٌ أن يَشكُرَها؛ فكيف بِنِعَمِ الزَّوجِ التي يَبذُلَها الرَّجُلُ للمرأة في عُمُرِها كُلِّهِ؟!

ثمَّ وصَفَهُنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّهنَّ ناقِصاتُ عَقلٍ ودينٍ، وأنَّهنَّ أذهَبُ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحازِمِ، واللُّبُّ: العَقلُ الخالِصُ من الشَّوائبِ، فهو خالِصُ ما في الإنسانِ من قُواهُ، وهذا على سَبيلِ المُبالَغةِ في وَصفِهنَّ بذلِك؛ لأنَّه إذا كان الضَّابِطُ لأمرِه يَنقادُ لهُنَّ فغَيرُه أولى؛ فهُنَّ إذا أردنَ شَيئًا غالَبنَ الرِّجالَ عليه حتَّى يَفعَلوه، سواءٌ كان صَوابًا أو خطَأً!

ثم بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلامةَ نُقصانِ العَقلِ؛ بأن شَهادة امرأتين تَعدِلُ شَهادةَ رَجُلٍ، وهذا تنبيهٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما وَراءه، وهو ما نبَّه اللهُ تَعالَى عليه في كِتابِه بِقَولِه تَعالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فإنَّهُنَّ لا يُحسِنَّ تَذَكُّرَ الكلامِ، ولا ضَبطَهُ، ثم بيَّن نُقصانَ الدِّينِ بأنَّ المَرأةَ تَمكُثُ لَياليَ وأيامًا لا تُصلِّي؛ بِسَبَبِ الحَيضِ، وتُفطِرُ أيَّامًا من رمضانَ؛ بِسَبَبِ الحَيضِ. وليس المرادُ بذِكرِ نقصِ العقلِ والدِّينِ في النِّساءِ لَومَهنَّ عليه؛ لأنَّه من أصلِ الخِلقةِ، لكنِ التَّنبيه على ذلك تَحذيرٌ من الافتِتانِ بهنَّ.

وفي حديث آخر عن عبدالله بن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ. وفي رواية: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ اطَّلَعَ في النَّارِ…: صحيح مسلم

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعِظُ أصحابَه بالتَّرغيبِ في نَعيمِ اللهِ وجَنَّتِه تارةً، وبالتَّرهيبِ مِن عَذابِه ونارِه تارةً أُخرى، وقدْ خلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ الجَنةَ نَعيمًا لمَن أطاعَه، وخلَقَ النَّارَ عَذابًا لِمَن عَصاه، والجنَّةُ والنارُ مَخلوقتانِ ومَوجودتانِ الآنَ حَقيقةً، كما أخبَرَ اللهُ تَعالَى في كِتابِه.

وفي هذا الحديثِ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ» أي: رأَيتُ مَن فيها، قيل: رَأى ذلك ليْلةَ الإسراءِ، وقيل: في المنامِ؛ فرُؤيا الأنبياءِ حقٌّ، أو لعلَّ اللهَ أطْلَعَه على ذلك بالوحيِ، «فرَأَيْتُ أكْثَرَ أهْلِها الفُقَراءَ» فالفُقراءُ أكثرُ أهْلِ الجَنَّةِ، وليْسَ الفَقْرُ هو الَّذي أدخَلَهُمُ الجَنَّةَ، إنَّما أَدخلَهمُ اللهُ الجَنَّةَ بِصَلاحِهم وبصَبرِهم مَع الفَقرِ، ورِضاهم بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، فالفَقيرُ إِذا لَمْ يَكُنْ صالحًا فلا فَضلَ لَه في الفَقرِ، فهذه بِشارةٌ للمُؤمنينَ – رجالاً ونساءً – مِن الفُقراءِ الَّذين صَبروا على حالِهم، فبُشِّروا بالفَوْزِ العَظيمِ.

واطَّلَعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على النَّارِ، فرَأَى أكْثَرَ أهْلِها النِّساءَ؛ وسَببُ ذلك ما جاءَ في الصَّحيحينِ: «تُكثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكفُرْنَ العَشيرَ» واللَّعنُ: هو الدُّعاءُ بالطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ، وكُفرانُ العَشيرِ: هو جَحْدُهنَّ نِعمةَ الزَّوجِ وإنكارُ إحسانِه، وقدْ أوضَحَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثٍ آخَرَ في الصَّحيحينِ قال: «لو أَحْسَنْتَ إلى إِحداهُنَّ الدَّهرَ»، أَيِ: العُمْرَ كُلَّه، ثُمَّ رَأتْ مِنكَ شَيئًا وَاحدًا مِمَّا تَكْرَهُ، قالَت: «مَا رأيتُ مِنك خَيرًا قَطُّ»، أي: ما وَجدْتُ مِنكَ شيئًا يَنْفَعُني أو يَسُرُّني طيلَةَ حَياتي كُلِّها، وفي هذا إنذارٌ وتَحذيرٌ وتَرهيبٌ لِلنِّساءِ مِن فِعلِ الأسبابِ الَّتي تُوجِبُ لهُنَّ العذابَ.

وفي الحديثِ: أنَّ الجَنَّةَ والنارَ مخلوقتانِ وموجودتانِ. وفيه: مُعجزةٌ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإطْلاعِ اللهِ تَعالَى له على الجَنَّةِ والنَّارِ وهُما من الغَيبِ، ورُؤيتِه لأهلِهما. وفيه: حثُّ النِّساءِ عَلى المُحافَظةِ عَلى أَمْرِ الدِّينِ؛ لِئَلَّا يَدخُلْنَ النَّارَ.

وهذه الأحاديث المذكورة آنفاً تشير إلى أنها تتناول نساء المسلمين، لأنها علقت دخول النار على أسباب غير الكفر. وهذا بدوره يشير إلى أن المقصود قلة النساء في الجنة ابتداء، قبل خروج عصاة المؤمنين من النار ودخولهم الجنة.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: فأما عصاة الموحدين، فأكثر من يدخل النار منهم النساء.

وقال القرطبي رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار، وأما بعد خروجهن بالشفاعة، وبرحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله، فالنساء في الجنة أكثر، والله أعلم، وحينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا، وأما الحور العين فقد يكون لكل واحد منهم الكثير منهن ” انتهى من “التذكرة” (2/983).

هذه النصوص المخبرة بكثرة النساء في النار؛ ليس القصد منها التقنيط من رحمة الله تعالى، وإنما سيقت للتحذير، ورفع همم النساء إلى عتق أنفسهن من النار، بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة النساء في النار، أرشدهن إلى الصدقة.

فعلى المرأة المؤمنة أن تجمع في قلبها بين الخوف الذين يدفعها إلى النشاط في الأعمال الصالحة وترك المحرمات، وبين الرجاء الذي ينفي عنها اليأس من رحمة الله تعالى، فالله تعالى وعد المرأة الصالحة بالأجر كما وعد الرجل الصالح؛ حيث قال الله تعالى:”مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ غافر/40.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى