#تأملات_مشروعة

#تأملات_مشروعة

د. #هاشم_غرايبه

يظهر شريط مصور منشور، صحافيا خليجيا يقدم ميكروفونا الى النتن ياهو لكي يتحدث به أثناء زيارته لبلده، لكنه يرفض تناوله منه ألا بعد أن استعمل معقم الأيدي.
على الرغم مما يلقاه الحيوان من عناية وحماية وتأمين الطعام والمأوى في حديقة الحيوانات، إلا أنك لن تجد أي حيوان يقبل دخولها إلا غصبا، ولو أتيحت له الفرصة في أية لحظة لهرب الى الحرية رغم مخاطرها.
مما يدعو الى العجب والإندهاش، أن يفعل إنسان ذلك طواعية وبإرادته، ليس حتى بهدف تسلية المشاهدين، بل أسيراً مرتهنا لإرادة كائن بشري آخر لا يتفوق عليه في المقومات البشرية، بل بما يمتلكه، سواء كان مالا أو نفوذا أو وسائل قوة عسكرية.
أن يصبح المرء إحدى حيوانات تلك الحديقة بإرادته، تماثل العربان الذي يسارعون الى التطبيع زرافات ووحدانا، وهم مدركون تماما أن ما يسعون إليه من علاقة مع أحفاد “شايلوك”، لا يمكن أن يرفع قدرهم أو يجنون منه نفعا، بل إن النفع كله لذلك الكيان الذي تأسس على الإغتصاب والنهب.
ليس الأمر لأنه خدع أو استغفل، ولا أن قضية تأسيس هذا الكيان يمكن أن تتباين فيها وجهات النظر، فقد جاء مواطنوه كمستعمرين من أوروبا، وزرعوا في فلسطين تحت حماية الاحتلال البريطاني، وتمكنوا من الإستيلاء على أغلبها بعد إرهاب أهلها وطردهم منها.
فليس تأسيس هذا الكيان اللقيط يحتمل وجهات نظر مختلفة، بل هي حقيقة واحدة، لا تستطيع الدعاية تمويهها ولا التغطية عليها، فهي حدثت بالأمس وليس في العصور الوسطى.
وأما قصة الإستناد الى النصوص التراثية- الدينية في شرعية تأسيسه، فهي حجة ساقطة، لأن الغرب العلماني تجاوز الدين منذ قرنين، ولا يعترف بأي أثر سياسي له.
لذلك فمن يحاول أن يغطي على جبنه بالتغابي بالقول أن (الكيان اللقيط) أمر واقع، لن يجد من يصدقه، فهي ليست واقعا، ولن تصبح كذلك إطلاقا، إلا إذا جعلها العرب أصحاب الأرض كذلك بإرادتهم أو باستسلامهم للأمر الواقع وتقبله، أي بالتطبيع.
ترى ما الذي يدفع دولة لا تحتاج الى دعم مادي ولا تعوزها أدوات التقدم التقنية مثل الدول الخليجية، الى التسابق على التطبيع المهين مع الكيان اللقيط الذي تأنف معظم شعوب العالم من التعامل معه إلا خوفا أو طمعا؟
ما الذي سيجنيه من نفع ذلك الحاكم أو تقدير من الغرب عندما يستقبل مسؤولا في الكيان الكريه، وهل يأمل إن أهداه اللالئ والجواهر أن يتوقف عن قوله أن له ولكل العرب ذيلا؟، أوعلى الأقل يكون بمنجى من استعلائه العنصري الحاقد إن هو أكرم وفادته!؟.
وما الذي سيناله من اعترافه بشرعية الإحتلال المسرف في تطرفه؟، والذي لا يخفي أطماعه في الوصول الى منابع النفط، هل يطمع من خلال احتفائه به أن يقنعه برد الأرض الى أهلها؟ أو على الأقل التوقف عن ارتكاب المجازر بحقهم.
ما يحصل حاليا من هرولة يناقض ضرورات المرحلة، ففي الوقت الذي تتم فيه خطوات مدروسة من أجل قتل الأمل في نفوس أهل الأرض لتسهيل الأمر على (السلطة الفلسطينية) لإقناعهم بالرضوخ مقابل ثمن بخس هو تسهيل أمورهم المعيشية، يجب أن يكون الرد المنطقي هو الضغط المعاكس من قبل العرب أجمعين على ذلك الكيان وحماته، وبيد الأنظمة الكثير لتفعله في هذا الصدد لو كانت مخلصة لواجبها وليس لرعاتها.
هذا الكثير يتلخص في قرار نبذ التطبيع معه، وهو سهل لا يكلف شيئا لكن فعله كبير، لأن قصارى أمل الكيان أن يتقبله أهل الأرض والأمة التي ينتسبون إليها، وفي حال رفض تقبله سيظل منبوذا في المنطقة، ولن يُسرّي عنه دعم الغرب، ولن يواسيه اعترافهم به وتغطيتهم لشروره.
لا شك أن الأنظمة العربية ليست جاهلة بواجبها، ولا عاجزة عن تنفيذ هذا المطلب الذي لا يكلفها شيئا، إلا غضب آلهتها التي تعبدها من دون الله (أمريكا)، التي تتقي غضبها وتنشد رضاها.
فهي تهرول الى التطبيع عن خنوع وذلة، لأنها اعتصمت بعدو أمتها، واعتزت بغير ما أعزها الله به.
وستظل ذليلة لا تعامل من الغرب اللا بالاحتقار والتعفف عن ملامستهم ..لأن من اعتز بغير الله ذل!.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى