أمي أشعلت الثورة .. والإصلاح كاذب / وليد عليمات

أمي أشعلت الثورة
كانت كلما أخذتني والدتي (أطال الله في عمرها) إلى طبيب المركز
الصحي في القرية … أشعر بأن مرضي يزداد .. فأنا ككل الأطفال أكره الدواء كرهي للمرض
ندخل إلى الطبيب الجالس على الكرسي الدوار ..حيث أرخى جسمه لدرجة أن كرشه اختفى تحت الطاولة..ونظاراته (قاع الكاسة) … تقف على رأس أنفه … ينظر إلى كوب القهوة الموضوع على الطالولة الجانبية … وكأنه يريد من الكوب أن يأتيه وحده ..من شدة كسله ..
.
قال الطبيب في وهو يتثائب (مالو……؟؟؟)
.
قالت والدتي : (مفلوز وحرارته مرتفعة)…
.
دون أن ينظر إلي الطبيب ..أو يفحصني …اخرج ورقة وخربش كالعادة (ريفانين… و يرافين)
.
قالت والدتي : يا دكتور (المرة الماضية على وجع المعدة نفس الوصفة وقبلها..على وجع الرأس نفس الوصفة…افحص الولد اقل ما فيها).
.
قال الدكتور (إذا ما عجبك المركز خذيه على دكتور خاص… وأنا عارف شغلي ..والحكومة تعرف شغلي )
.
خرجنا دون أن نأخذ الوصفة …واتجهنا إلى المنزل ..وأخبرت والدي بما حصل… فغضب واستشاط من تصرف الطبيب و حملني من جديد إلى المركز …ودخل على الطبيب الذي ما زال بنفس الجلسة …
.
قال والدي (نحن مواطنين ندفع الضرائب …ومؤمنين صحيا..وأنت هنا لخدمتنا..أو سأتقدم بشكوى لنقلك..فأنت لا تعالج بحق ربنا )
.
استيقظ الطبيب من سباته وقال (القصة مو مستاهلة …وخلينا نتفاهم ..) وكلام من هذا القبيل .

الطبيب يعلم أنه إذا نقل سيذهب إلى مستشفى كبير يعمل فيه طيلة الدوام دون توقف …
في القرية لا يراجعه أكثر من 20 مريض يوميا .. لا يتجاوز علاجهم الساعتين ..
.
رق قلب والدي وهدأ قليلا .. ثم حملني الطبيب وأجلسني قربه على الكرسي … وبدأ يداعبني بألفاظ فيها أقصى درجات الحنان والرأفة
وارتدى في يديه القفازان البلاستيكيان ..استعدادا ليفحصني فعليا
.
أخرج العود الخشبي الطبي …(زي عود البوظة بس عريض) هكذا كنت أراه ..
.
قال لي افتح فمك .. ففعلت
مد لسانك ..وقل (ااااه) ففعلت ..
وضع العود على لساني وضغط بقوه … لم ينظر في فمي .. كانت عينه على الورقة وهو يخربش ( ريفانين..و يرافين)… وكاد أن ينسى يده في فمي ..
.
أخذ والدي الوصفة وصرفها وانصرفنا إلى البيت راشدين … وقال لوالدتي بلهجة المنتصر ( هظول ما يجو إلا بالعين الحمرة … وفحصه غصبا عنه ..وصرفنا الوصفة )
.
أخذت والدتي كيس الدواء ونظرت فيه .. وحين رأت (ريفانين .. ويرافين) ..نظرت إلى والدي ولربما خجلت أن تقول له أن غزوتك لم تأتي بجديد.. لذلك صمتت
.
كان الطبيب يمثل النظام بكل ما فيه من فساد .. ونوايا الإصلاح الشكلي الكاذب
كانت والدتي من أشعل الثورة ..لكنها خجلت من أن تصرح بأن الثورة لم تؤتي أكلها ..
والدي كان قوة شعبية أعجبها الإصلاح الشكلي ..واعتبره انتصارا
.
أما أنا فما زال طعم العود الكريه عالقا على لساني لذلك عجزت عن النطق حينها فلم أفكر الا في مرارته .. بانتظار أن أسقى دواء أكثر مرارة .. بعد تجربة إصلاح أعادتني لتناول ذات الدواء الذي من أجله قامت الثورة
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى