
بيئة العلم… مسؤولية وطن
الاستاذ الدكتور #امجد_الفاهوم
بكل فخر واعتزاز، يتردد اليوم اسم العالم الأردني البروفيسور عمر ياغي في محافل العلم العالمية، بعد فوزه المستحق بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025، تقديراً لإسهاماته الرائدة في تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs) التي أحدثت ثورة في علوم المواد والطاقة النظيفة. إنه فوز لعقلٍ أردني آمن بالبحث والتجريب، ووجد في البيئة الداعمة أرضاً خصبةً للإبداع.
لقد عبّرت الجمعية العلمية الملكية، ممثلة برئيستها صاحبة السمو الملكي الأميرة سمية بنت الحسن المعظمة، عن فخرها البالغ بهذا الإنجاز، مؤكدة أن فوز البروفيسور ياغي ليس تكريماً لشخصه فقط، بل لكل أردني وآردنية يؤمن بأن العلم طريق العزة والتقدم. فالجمعية، التي ارتبطت بعلاقة وثيقة بالبروفيسور ياغي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، كانت شريكاً فاعلاً في دعمه وتشجيع التعاون العلمي بين الأردن والعالم من خلال معهد بيركلي العلمي العالمي (Berkeley Global Science Institute)، الذي يرتبط بشراكة مثمرة مع الجمعية منذ عام 2016.
ويؤكد هذا الفوز أن العقول الأردنية قادرة على الإنجاز إذا ما أُزيلت عنها القيود البيروقراطية والمحسوبية التي خنقت طموحات كثيرين. فكم من عالم وباحث ومخترع ما زال ينتظر الفرصة في وطنه، تصده الحواجز التي أقامها من لا يملك من العلم إلا شهادة ورقية، ولا من المهارة إلا الثرثرة، ولا من الولاء إلا لأشخاصٍ لا يؤمنون إلا بمصالحهم. لقد آن الأوان أن نُقصي من يعطل حركة التطور ويقف ضد الإصلاح العلمي، وأن نعيد الاعتبار لأصحاب الكفاءات والمواهب الحقيقية، تطبيقاً لقوله تعالى:
“يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”.
ما حققه عمر ياغي هو برهان على أن الإبداع لا يُولد من الامتيازات، بل من البيئة التي تُنصت للعقول وتُؤمن بالفرص العادلة. هناك، في الجامعات والمختبرات التي تُدار بالكفاءة لا بالمحاباة، وجد ياغي طريقه نحو العالمية، فكرّمته الإنسانية، بينما بقي كثير من المبدعين في أوطانهم أسرى أنظمةٍ جامدةٍ لا تعرف سوى لغة الأقدمية والتبعية.
إن فوز عمر ياغي ليس مجرد إنجازٍ فردي، بل دعوة وطنية لمراجعة الذات وبناء نظام أكاديمي يُعيد العلم إلى مكانته، ويضع المبدعين في صدارة المشهد. فحين تُفتح الأبواب أمام الكفاءات وتُغلق أمام الواسطة، سيولد في كل جامعة ياغي جديد، يحمل اسم الأردن إلى مصاف الأمم المتقدمة.