بلا مجاملة

#بلا_مجاملة

د. هاشم غرايبه

كان تصويت البرلمان العراقي بالإجماع على #قانون يهدف إلى #تجريم كافة أشكال #تطبيع #العلاقات مع #الكيان #اللقيط، والذي ينص على حظر وتجريم “كل فعل من شأنه أن يحقق مع الكيان الصهيوني أي صورة من صور التعامل أو يؤدي إليه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بهدف إقامة العلاقة مع الكيان الصهيوني”، كان ذلك التصويت رغم رمزيته حدثا تاريخيا، حيث أنه ورغم تشدق كل الأنظمة العربية بأنها تنتصر للقضية الفلسطينية، إلا أن أحدا منها لم يجرؤ على إعلان أي إجراء رسمي عملي يثبت ذلك فعليا، فجميعها لا ترفض التطبيع مع هذا الكيان، رغم علمها أن ذلك يعني عمليا قبول احتلاله لفلسطين واعتباره أمرا مقبولا رغم أنه فرض بالقوة ورغما عن اختيار الأمة.
تمت كثير من الاحتلالات عبر التاريخ، ولم يجبر أحد الدولة التي فقدت أرضا على تقبل الأمر الواقع الذي فرضه المحتل، بل ظلت جميعها ترفض الأمر، ولم تقبل مسالمة المحتل الى أن استعادت أرضها.
فقد احتلت صربيا البانيا في حروب البلقان عام 1912 ، ولكنها خرجت بعد عامين، ثم قام تحالف النمسا – المجر باحتلالها ثانية للفترة بين 1914 – 1918 ، كما احتل هذا التحالف الجبل الأسود وصربيا للفترة ذاتها، وتبودلت الاحتلالات بين الدول الأوروبية والشرق آسيوية عبر التاريخ، واستعيد أغلبها فيما عدا بقع صغيرة باقية، لم ينتهي الصراع حولها بعد، لأنه لم يتم الاعتراف بحق المحتل بما احتله.
نلاحظ أن كل الاحتلالات كانت بين دول، الحالة الوحيدة الشاذة هي احتلال فلسطين من قبل جماعة رابطها الوحيد معتقدها الديني، وليست منتمية الى هذه الأرض، بل لم تكن مجاورة أو قريبة من هذه المنطقة، فموطنها الأصلي أوروبا، وسندها الوحيد مقولات أسطورية تعود الى أكثر من ألفي عام، أي ما قبل التاريخ المدون، بمعنى أن القضية ليست صراعا حدوديا كباقي القضايا، بل هو وجودي.
لقد ثبت تاريخيا أن كل ما لم يستند الى جذور زائل، لذلك سعى هذا الكيان اللقيط (مسماه لقيط لأنه لم يولد ككل الدول ولادة طبيعية من أم هي الأمة)، والوسيلة الوحيدة لبقائه هي فرض تقبل أصحاب الأرض لوجوده، وتعايشهم معه كأمر واقع، وتيئيسهم من القدرة على تغييره.
ولما كان المالك الحقيقي للأرض هو الشعب، والذي هو رافض قطعا لتقبل ذلك، فقد سعى هذا الكيان من خلال راعيه وحاميه (الغرب الاستعماري) الى تكليف الزعماء العرب (وهم الفئة الوحيدة المنصاعة) بتمرير مؤامرة التطبيع على شعوبهم تحت خديعة أن ذلك سيحقق الاستقرار والازدهار الاقتصادي.
ولهذا لجأت الأنظمة الى سياسة التجويع والإفقار، متبعة إملاءات البنك الدولي، التي أثخنت اقتصادات البلد بقروض لم تكن لرفد الانتاج وتعزيز استقلالية الاقتصاد، لذلك شجعت على نهبها من قبل أصحاب القرار وأزلامهم تحت مسمى الخصخصة والتصحيح الاقتصادي.
والى اليوم لم تنتج هذه المؤامرة هدفها في تركيع الشعوب وفرض تقبل التطبيع، مثلما أن الغرب لم يجد وسيلة أخرى لفرضه، فما زالت الأمور عالقة بسبب انسداد آفاق التأميل الوهمية بعملية السلام التخديرية.
لذلك نجد الزعماء العرب لا ينفكون يطالبون أولي أمرهم بالإفراج عن عملية السلام، وهم يعلمون عبثيتها، لكنها وسيلتهم الوحيدة لإغراء الشعوب بتقبل التطبيع.
ما سبق أوردته لتفسير عدم انصياع أي نظام عربي للمطلب الأكثر شعبية وهو رفض التطبيع، بل هو الأمر الوحيد الذي عليه إجماع شعبي كامل في كافة أقطار الأمة، فهم لا يمكنهم رفض الإملاءات الغربية، لأنهم يعلمون ان ذلك متطلب أول للبقاء في الكرسي، فقد فقدوا منذ زمن بعيد الدعم الشعبي، لكنهم غير قادرين على فرض التطبيع على شعوبهم، لخوفهم من بركان الغضب الذي سيتفجر، وسيودي بالأنظمة جميعها.
رغم أن قرار البرلمان العراقي جاء بدواعي المزاودات بين الكتل، إلا أنه بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة، ربما لن يجرؤ برلمان عربي غيره على فعل ما فعله، لكنه على الأقل سيربك المطبعين الجدد من عربان الصهاينة، وتسرعوا بكشف الأقنعة عن وجوههم الصفراء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى