إثبات نسب شقيقين لوالدهما بعد وفاته .. قضية لم تحصل من قبل

سواليف

في حالة نادرة؛ أصدرت محكمة عمان الشرعية قرارا بإثبات نسب طفلين إلى والدهما بعد وفاته، رغم عدم وجود عقد زواج شرعي مثبت بين الرجل ووالدة الطفلين.
بدأت القضية قبل 16 عاما عندما ارتبط الأب بعقد زواج عرفي من والدة الطفلين العام 2001، وأنجب بعد ذلك طفلين ذكرين عامي 2002 و2003، قبل أن تتخلى الزوجة عن طفليها، لتبدأ رحلة الأب بمحاولة إثبات حق ابنيه في اسميهما ونسبهما له.
تروي عمة الطفلين، الوصية الشرعية عليهما، تستذكر آخر كلمات شقيقها قبل وفاته بمرض عضال: “وصاتي ولادي عندك، كملي على اثبات النسب، هدول ولادي وإذا متت هدول ولادي”.
تقول “ارتبط أخي بزواج سري وعرفي بامرأة تكبره في السن العام 2001، علمنا بزواجه بعد ولادة الطفلين، لفترة أقام وزوجته بمنزل العائلة رغم عدم رضا والدي عن الزواج، بعد فترة انفصل عن زوجته ولم نعد نعلم عنها شيئا”.
وتضيف “بغياب الأم أصبح الطفلان مسؤوليتنا، تبين لنا لاحقا أن عقد الزواج عرفي، وأن زوجة شقيقي السابقة مزقت عقد الزواج إثر خلافها مع شقيقي، رفض والدي الاستمرار برعاية الطفلين لعدم وجود عقد زواج شرعي أو أي أوراق تثبت نسبهما لشقيقي، على إثر ذلك اتصلنا مع إدارة حماية الأسرة التي تسلمتهما وتم ايداعهما بإحدى دور الرعاية”.
بقيت وشقيقي – تكمل – على تواصل مع الطفلين بدار الرعاية، وعرفا باسم والدهما وعائلتنا رغم عدم وجود أوراق رسمية بذلك، لكن إثبات النسب حينها كان أمرا مستحيلا، بعد سنوات تبينت إصابة شقيقي بمرض السرطان، شعر حينها أن مسؤوليته إثبات نسب طفليه قبل موته.
وتبين: “أقر شقيقي نسب الطفلين له أمام المحكمة الشرعية، فصدر قرار إثبات النسب، لكن محكمة الاستئناف الشرعية ردت القرار مطالبة بإجراء فحص الحمض النووي DNA، تم سحب عينة الدم من شقيقي بعد ذلك بيومين توفي”.
توفي الأب مطلع تشرين الأول (اكتوبر) العام الماضي، فيما ظهرت نتيجة الفحص نهاية ذات الشهر. وبناء على نتائج الفحص الذي أجري في ادارة المختبرات والأدلة الجرمية التابعة للأمن العام، والإقرار بالنسب من قبل الأب بشهادته أمام المحكمة قبل وفاته، أصدرت المحكمة الشرعية قرارا بإثبات نسب كلا الطفلين لوالدهما.
ونصّ الحكم الذي صادقت عليه محكمة الاستئناف الشرعية في آذار (مارس) الماضي بأنه “عملا بقانون الأحوال الشخصية فقد حكمت المحكمة بثبوت نسب الصغيرين (….) من والدهما المرحوم (…) وانه يولد مثلهما لمثله وأنهما لا ينسبان لأحد غير المرحوم المذكور”.
رغم صدور قرار الاستئناف الشرعية اصطدمت العائلة مجددا بإجراءات دائرة الأحوال المدنية، التي رفضت إصدار هويات وأوراق ثبوتية للأطفال، وطالبت بقرار من محكمة الصلح النظامية. تقول العمة “أشعر أني في دوامة مجددا، لما الاطفال أثبت نسبهم أجد نفسي عاجزة الآن عن اصدار دفتر عائلة وهويات لهم، العبء ثقيل ولازم أكمل الوصية”.
يقول المحامي أمجد عزوقة، والذي تولى القضية منذ العام 2015: “بقانون الاحوال بنود تنص على امكانية اثبات النسب بعدة طرق، وان لم يكن هناك عقد زواج كالإقرار والوسائل العلمية”.
يتم إثبات نسب الطفل لأبيه بحسب المادة 157 من القانون بأربع طرق هي؛ فراش الزوجية (الزواج الصحيح)، والإقرار الشخصي، حيث يشترط فيه أن “يكون المولود حيا مجهول النسب، وأن لا يكون وسيلة للتحايل لتبني الطفل، وأن يكون فارق السن بين المقر والمقر له يحتمل صحة هذا الإقرار، وأن يصدق المقر له البالغ العاقل المقر”.
ووفق المادة ذاتها، يمكن كذلك ثبوت النسب بالبينة، ومن صورها الإقرار السابق أو البينة على تولّد الصغير على فراش الزوجية، أما الوسيلة الأخيرة فهي ثبوته بالوسائل العلمية القطعية، مع اقترانها بفراش الزوجية، ومن فحص البصمة الوراثية (DNA)، أو أي وسيلة يثبت العلم أنها قطعية.
يقول عزوقة: “حاولنا بداية إصدار حجة نسب لكن محكمة التوثيقات طالبت بحكم من المحكمة الشرعية، وهنا كان التحدي الأول فكون الوكيل دون سن 18 عاما، كان مطلوبا تعيين وصي مؤقت على الطفلين، بالتنسيق مع دار الرعاية تم تعيين العمة وصيا مؤقتا، والتي حركت شكوى نسب على الأب، وبعد إقرار النسب اصطدمنا بإشكالية أخرى رد القرار من محكمة الاستئناف بسبب طلب فحص الحمض النووي”.
ويضيف “لم تكن المشكلة بطلب الفحص، إنما بكلفته البالغة لعينة الدم الواحدة 300 دينار، أي ما مجموعه 900 دينار، في وقت كانت العائلة غير قادرة ماليا على دفع المبلغ، لاحقا تمكنا من الحصول على الفحص بدون مقابل بتبرع من الأمن العام”.
عزوقة يشير إلى أنه “بحسب نظام الأحوال المدنية لا يمكن تسجيل الأبناء دون تثبيت عقد الزواج بشكل رسمي”. وهو يرى في هذا النص تعارضا مع المادتين 21 و22 من القانون اللتين تنصان على انه اذا عرفت الأم ينسب الطفل لوالدته، ويقول “في هذه الحالة الأب معروف بالإقرار والبينة العلمية وقرار محكمة شرعية، فبالأولى السير وفقا لقرار المحكمة بإصدار الاوراق الرسمية”.
ما تزال القضية منظورة بمحكمة صلح عام، ويوضح عزوقة “النسب حاليا مثبت والبنوة مثبتة، نأمل أن يصدر قرار قريب من المحكمة النظامية بإصدار الأوراق الرسمية للأطفال لتصويب وضعهم”.
حاليا يعيش الطفلان (15 و14 عاما) في أحد دور الرعاية التابعة لجمعية خيرية، يعرف عن الطفلين تفوقهما الأكاديمي، كما أنهما على تواصل دائم مع عائلة والدهم، ويقضيان العطل والأعياد بمنزل الجد.
في هذا السياق، تقول المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” ايفا أبو حلاوة إن “الحق بالنسب هو من الحقوق الأصيلة للطفل والتي لا يجوز أن يحرم منها”، لافتة إلى أن “هذا الحق مصان في الشريعة الاسلامية كما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل”.
وتوضح أن الحق بالنسب تترتب عليه مجموعة حقوق كالحق بالولاية والوصاية، والمشاهدة والرعاية والميراث وغيرها، “بالتالي فإن حرمان الطفل من هذا الحق يعني بالمحصلة حرمانه من حقوق أخرى كثيرة”.
وكانت “ميزان” أعلنت مطلع العام دراسة لعلماء شريعة وفقه إسلامي، أكدت على حق هذه الفئة من الأطفال، بأن تحصل على حقوقها كاملة بما فيها النسب.
وترى أبو حلاوة أن قانون الأحوال الشخصية 2010 حقق تقدما ملحوظا بمجال حق الطفل بنسبه لوالديه “إذ يأخذ بالبينة العلمية والإقرار، وهو الأمر الذي لم يكن موجودا قبل العام 2010”.
بالتوازي مع تعديلات القانون، تلفت أبو حلاوة إلى الوعي المجتمعي المتزايد بأهمية انصاف هذه الفئة من الأطفال، وعدم التمييز ضدها.
ووفرت “ميزان” للطفلين المذكورين في هذه القضية المساعدة ضمن الحالات التي تم التعامل معها في برنامج حماية حقوق الأطفال فاقدي السند الاسري. وترى ابو حلاوة انه رغم عدم صدور قرار المحكمة النظامية بعد فإن قرار المحكمة الشرعية بإثبات النسب “كان له الأثر الكبير على حياة الطفلين، نأمل ان تكون هذه خطوة لتغيير في حياة الكثير من الأطفال الآخرين، خصوصا في ظل النظرة المجتمعية السلبية التي يعاني منها الأطفال بسبب عدم ثبوت النسب”.

الغد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى