هل سنبقى كما نحن في الأردن؟!

هل سنبقى كما نحن في الأردن؟!
ماهر أبو طير

هذه أول مرة في حياة كثيرين، يعيشون ظرفا مختلفا، في الأردن، رغم وجود أجيال سابقة، عاشت ومرت بظروف صعبة أيضا، مرت وبقيت منها الذكريات.
العالم يعيش حالة حرب ناعمة، من دون صوت للصواريخ والقنابل، لكن الضرر واضح؛ ملايين المصابين، آلاف القتلى، انهيار دول عظمى، انهيار اقتصادات، خسارة الملايين أعمالهم، ولاحقا سنرى موجات أعلى في العالم من تفشي الجرائم، والبطالة، والأضرار ما تزال في بدايتها، وقد تستمر لسنوات وأكثر.
الفكرة الأخطر هنا، تتعلق بضرر كورونا غير الصحي، وهو ضرر وقع، ولن يزول ببساطة، فالعالم يعيد إنتاج نفسه بطريقة جديدة، دول سوف تسقط، ودول سوف تنهض، وشعوب سوف تفقد الرفاه الذي اعتادت عليه، وشعوب سوف تزداد حياتها صعوبة، فوق ما فيها من صعوبة أساسا، وكأنه ينقصها هم فوق الهم.
في الأردن تسمع من الآباء والأجداد حكايات عن أزمان صعبة مرت، مثل حرب 1948 وتأثيراتها على الناس، وموجات اللجوء الى الأردن، ثم حرب 1967 وفيها خسرت المملكة نصف مساحتها، من الضفة الغربية والقدس، وتضرر اقتصادها، حين خسرت أربعين بالمائة من ناتجها السنوي، فوق هجرة مئات الآلاف، ثم أحداث كثيرة مرت على البلد، ما جرى في عام 1970، ثم حرب 1973، وتأثيرات حرب العراق على الأردن، واحتلال الكويت، وعودة نصف مليون أردني، ثم فوضى الربيع العربي، وسقوط دول الجوار، ودول عربية أخرى بعيدة نسبيا، والهجرات الى الأردن، وملايين المشردين والشهداء.
لكن هذه أول مرة نواجه فيها ظرفا بشكل مباشر، رغم أن كل الظروف السابقة، تركت أثرا ما، إلا أن الأردن كان يستوعب الضرر تدريجيا، حتى لو على حسابه، لكن هذه المرة يتبدى الضرر الاقتصادي على حياة الناس، واللافت للانتباه أن بعض البيوت والعائلات لا تدرك حتى الآن منسوب الضرر، وأن طريقة حياتنا مقبلة إجباريا على تغيرات واسعة، بشأن أولويات الإنفاق، ومستويات الصرف، وطرق الحياة ذاتها، ووحدهم العمال ومن يعملون في المهن ذات الدخل اليومي لمسوا مبكرا الآثار الاقتصادية لهذا الوضع، فيما البقية ستلمس آثار الحرب التي يعيشها العالم، والضغط الداخلي على عصب الاقتصاد الأردني الذي سوف يؤدي الى إعادة إنتاج المجتمع، برضاه أو غير رضاه، فنحن في ممر إجباري.
الجانب المهم هنا يرتبط بوضع الفقراء الذين ستترك عليهم أوضاع الدنيا، تأثيرات أكثر حدة، رغم أنهم يعيشون أساسا ضمن أقل القليل، لكن هذا القليل أيضا ستطرأ عليه تغيرات، إما بسبب الغلاء، أو توقف المتبرعين عن مساعدة العائلات، أو بسبب تأثيرات مختلفة لها صلة بكلفة الحماية الاجتماعية، ومع هؤلاء عدد كبير من الطبقة الوسطى بمختلف درجاتها العليا والمتوسطة والدنيا، وهي طبقة توسعت في إنفاقها وتعيش ضمن حياة بمعايير نعرفها كلنا، وهي تعتمد في دخلها على مصادر داخلية، أو على مصادر دخل المغتربين، وبالتأكيد فإن هذه الطبقة ستكون مضطرة اليوم لتغيير طريقتها في الإنفاق، إما بسبب خسارة الوظائف، أو تراجع الأعمال، أو خفض الأجور، وهذا يعني أنه لا شيء سيبقى كما هو.
بكل صراحة، ترى عائلات كثيرة تتوسع بالصرف على حساب الديون، أو من دون مراعاة للأولويات، أو أنها تعيش حياتها بشكل طبيعي بالنسبة لها، والتزاماتها كثيرة، من تعدد ملكية السيارات، أو نفقات التعليم والجامعات، ونفقات الطعام والرفاه، وغير ذلك، وهؤلاء مضطرون اليوم لمراجعة أولوياتهم، فإن لم يكن برضاهم، فهذا سيحدث قهرا وإجبارا بسبب تغيرات الحياة.
الدعوة مفتوحة هنا لتغيير أنماط الحياة، قبل أن تتضاعف الآثار السلبية، ويصير المرء مجبرا على أن يغير طريقته في حياته، على فرض أنه يعيش ضمن مستويات محددة، أعلى من حياة آخرين في هذا المجتمع، والكل يدرك أن لدينا مئات آلاف المواطنين يشترون شققا وسيارات بالديون، ولديهم نفقات جامعية وتعليمية، ويسافرون سنويا، ويتصرفون بطريقة تفترض أن العالم مستمر بهذه الطريقة ذاتها.
الخلاصة هنا أن الفقراء سيزداد فقرهم، والمنتسبون للطبقة الوسطى بكل طريقة حياتهم، نقدا أو دينا، سيضطرون مرغمين لأن يغيروا طريقة حياتهم، فيما الأغنياء سوف ينقسمون الى قسمين؛ قسم يتعرض لخسائر في استثماراته، بسبب هذا الظرف الذي يضرب الأغنياء أيضا، وقسم يلوذ بماله، ولا يتلفت الى غيره.
القصة ليست أردنية، هي قصة العالم الذي يعاد إنتاجه، وسيلد عالما جديدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى