لم نعد قادرين على الأحلام / ابراهيم العمري

أشعرُ وأنا أستمعُ إلى الإعلامِ العربيِّ بأصابع العربِ وهي تنقر أجهزة الريموت كونترول باحثةً عن محطة غنائيّة راقصة، وأسمَعُ صوت قهقهاتِ كبار السنِّ وهم يستمعونَ للمحلّلين السّياسيين عبر قنوات العرب الفضائيّة، ولا يغيب عن سمعي صوت دلال القهوةِ وهي تصبُّ في الفناجين، ولا رشفات كؤوس الشاي.
أحاوِلُ التفرُّسَ في كميَّةِ التُّهَمِ والشتائمِ التي تُكيلُها جميع القنوات لبعضها، فلا أجدُ فيها قاسما مشتركا غير عقولنا التي يراها المتشاتمون أصغر من أن تكشفَ الكذبَ والتّدليس، وأحقرَ مِن أن تُكذِّبَ ما يريدون لنا أن نؤمن به، فينتابني الفضول في التنقل بين تلك المحطات مرّةً أخرى نازعا عن بصيرتي كُلَّ العدساتِ المُلوَّثة، تتنَحنَحُ أمُّ الأولادِ كُلّما سمِعَت منّي لفظاً جارحا مُذكّرةً إيّايَ بأنّ الأولاد يحيطون بي، أنظر ببصيرتي بعمق عبر بدلات المتشاتمين فأرى جيوبهم تمتلئ بالعُملات كُلّما شتموا أكثر، ولا يحرمني الفاصلُ من مشاهدة المذيع أو الضيف وهو يُخرج الأوراق النقديّة ليعُدَّها، أو يقرأ الرسالة التي وصلته من البنك لتخبره أنّ رصيده قد زاد.
فجأةً تتغيَّرُ لغةُ الحديثِ في القنوات العربيّةِ جميعها، وتظهر على الشّاشاتِ صورةٌ أعشقها هي صورة الأقصى، أسمعُ كلمة تحرير في كُلِّ القنوات، أستبشِرُ أفرَحُ أرقصُ أنادي أمَّ الأولادِ بفرَحٍ : حرّروها … حرَّروه … تأتي أمُّ الأولادِ مُزغردةً ويثور الأولادُ لفرحتنا، أقمَعُ جوَّ الفرحِ كأيّ حكومةٍ عربيّةٍ؛ لأتثبَّتَ من الخبر أبحرُ في المحطّات :المحطّة الفلانيّة تقول بأنَّ بني صهيون هربوا حاملين بوّاباتِهم وكاميراتهم على ظهورهم خوفا من حاكم دولة تلك القناة، أذهب لقناةٍ أخرى كانت تكيلُ الشتائم للقناة السابقة فأسمع المذيع يُرجعُ الفضلَ في انسحاب اليهود من المسجدِ الأقصى لزعيم دولته، أذهبُ لمحطّة ثالثةٍ وإذا بها تبثُّ خبرا عاجلا مفاده أنَّ سبب فتح الأقصى هو تدخُّلُ زعيمهم، وهكذا لا أكادُ أقفُ على محطّةٍ عربيّةٍ إلا وصورة حاكم بلدها تغمر الشّاشة مع عبارة بالخط الأحمر : كان لتدخُّلِ رئيس أو حاكم أو زعيم أو قائد بلادنا الدّورُ الأكبر في تحرير الأقصى، ودخول المرابطين إلى حماه.
أغلقُ التلفاز وأتناول جوّالي لأطلب من المطعم وجبة شاورما عائليّة، نلتهم الشاورما كما تلتهمُ الجماهير العربيّةُ نشرات الأخبار وننام؛ لنُعطيَ الكوابيسَ مُبرِّرا للبقاء في حياتنا فلم نعد قادرين على الأحلام. .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى