زمن الكورونا

زمن الكورونا
د. هاشم غرايبه

في مشهد مصور لمتسوقين في احدى البلدان الغربية، وهم يتزودون بالمواد التموينية، كان من أكثر المشاهد طرافة سيدة وهي تحمل ما استطاعت حمله من زجاجات النبيذ.
في مشهد آخر من هولندا اصطفاف الناس طوابير لشراء (الحشيش) وما هو مسموح بشرائه من المخدرات، خوفا من انقطاعها.
في بلادنا يصطف الناس متباعدين قليلا أمام محلات التسوق لشراء المواد التموينية، رأيت أغلبهم من المدخنين جاءوا لتأمين حاجتهم من السجائر.
من الطبيعي في أوقات الأزمات أن يهتم الناس بتأمين احتياجاتهم الأساسية، وهي بالأساس الطعام، ولكن باختلاف في الأولويات، وحسب مشارب الأقوام وثقافاتهم تتباين أولوياتهم.
ومرة أخرى يظهر كم أن التمسك بمنهج الله القويم، ينفع المرء في كل الظروف والأحوال، فالثقافة الأوروبية تضع المشروبات الكحولية في سلم الأولويات، كما أن قوانين بعض تلك الدول جعلت المخدرات سلعة مشروعة، وتناولها حرية شخصية.
أما التدخين فقد جعلته الإعلانات التسويقية والتقاليد عادة اجتماعية مقبولة، بل ومبررة، رغم أنه كان قديما أمرا منبوذا بل ومحظور قانونيا.
لقد أنعم الله على هذه الأمة، بأن أسكنها منطقة متوسطة من العالم، وأورثها أرضا خصبة تنتج من كل الثمرات، وحباها بمناخ معتدل متوازن الفصول، فكفاها الله الحاجة الى غيرها من الأمم، وبما أنك تجد المسلم من بين الناس، تقتصر حاجته الأساسية على الطعام والماء فقط، وهو أمر هين تدبيره، لذلك لن تواجه أمتنا بإذن الله الصعوبات التي نجمت عن وباء الكورونا.
الآن المسؤولية على عاتق أنظمة الحكم لا تقتصر على تحديد حركة الناس وتقليل الإحتشاد فقط، بل عليها وضع خطة إعاشة للمواطنين.
الموظفون في القطاع العام والعسكر والأمن، لن يشعروا بالضيق جراء تعطلهم عن الدوام، لأن رواتبهم سارية، لكن العاملين في القطاع الخاص، من مهنيين وحرفيين، والأجراء والعمال باليومية، دخلهم يومي، ينقطع كليا أثناء التعطل، وقد مرت فترة الأسبوعين الماضيين بصعوبة، فاستنفدت أغلب مخزون البيوت الغذائي، ونضبت فيهما المدخرات القليلة.
لذلك يجب على الحكومات العمل الفوري بدعم المواطنين القابعين في بيوتهم، التزاما بقرار حظر التجوال، والقضية لا تحتمل التسويف ولا التأجيل، فالدعم المطلوب هو لحاجتيتن لا يمكن تأجيل أي منهما: الغذاء والدواء.
أقترح تقديم مبلغ نقدي مدروس ليكفي هاتين الحاجتين، أما الآلية فهي سهلة، وهي حصر أعداد أرباب الأسر عن طريق دفتر العائلة، وتخصيص مبلغ محدد لكل واحد.
سيسارع المسؤولون للولوة والندب بذريعة قلة ذات اليد، هذا غير صحيح، بل لديهم ما يكفي، إذا علمنا أن كافة المشاريع الرأسمالية وحتى مشاريع الخدمات متوقفة، فالأردن مثلا يمكنه المناقلة بين بنود الميزانية، وهناك أكثر من ثلاثماية مليون دينار من البنود المعلقة على التنفيذ ، كما يمكنه التفاوض لتأجيل دفع بدلات خدمة الدين الخارجي، وبذلك يتوفر من هذين البندين فقط أكثر من 850 مليون دينار تكفي لدعم المواطنين لفترة لا تقل عن ثلاثة شهور.
يجب على الأنظمة العربية أن تشعر بأن للمواطنين عليها حقا، فتتخذ قرارا مسؤولا بإيقاف محاسيبهم عن نشطات الفساد ولو مؤقتا الى حين انجلاء الغمة وانتهاء الأزمة، خاصة وأن المصارف الأمريكية والأوروبية التي يودعون فيها ما يجنونه من نهب أوطان العروبة معطلة الأن، والسفر موقوف، فلا أقل من إعلان هدنة.. وسنجد كيف أن الحياة ستعود للخزينة الخاوية.
ولعل بعض النفوس الضالة تصطلح مع الله، ولعل بعض الظالمين يعودوا عن غيهم السادر…”وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى