الأردن …. احذروا العشيرة الألكترونية / د. نبيل العتوم

الأردن …. احذروا العشيرة الألكترونية

تواكب وسائل التواصل الاجتماعي اليوم التطورات السياسية والاجتماعية الداخلية ، بل لا أبالغ أنها تحولت إلى أكثر الوسائل قوة وتأثيرا. الأمر يعود إلى جملة من الأسباب ، مقصية أعتى حزبين في الأردن : حزب العشيرة ، وحزب جبهة العمل الإسلامي ، لا شك بأن وسائل التواصل الاجتماعي قدمت خدمة قوية للشرائح الشعبية للتعبئة والحشد ، وبات هناك قادة مختلفي الثقافة يوجهون الرأي العام الالكتروني ، وجلهم لم يكن ليتمتع بفرصة كبيرة للنفاذ إلى أي من الشرائح الاجتماعية لا عبر الأحزاب التي عاف عليها الزمن ، من المحتم إكرام الميت دفنه ، ولا من خلال وسائل الإعلام التقليدية التي هجرها الناس ، وبات لا تمتع بثقتهم مطلقاً ، وجعل الدولة في مجملها عاجزة أمام هذا التيار الجارف للمواجهة في ظل حالة عدم الثقة التي تولدت في عقل ووجدان المواطن البائس الذي يكابد ويصارع ظروفه الاقتصادية دون بصيص أمل يلوح في الأفق.

ليس غريبا أن يصطدم كل من يتصفح «وسائل التواصل الاجتماعي » في الأردن و يرصد بدقة صورة الدولة ولا سيما نواة المعارضة الألكترونية الآخذة بالتشكل ، والتي وجدت ضالتها في وسائل التواصل الاجتماعي الأوسع تأثيرا وانتشارا، في الوقت الذي فشلت فيه الدولة فشلاً ذريعاً في المآسسة لحياة حزبية قادرة للتنفيس عن الناس ومطالبهم واحتياجاتهم ، فبتنا أمام خيارين أحلاهما مر : الانتقال إلى العنف للتعبير عن مطالبهم ، وهذا ما كان يحدث في كثير من المناسبات ، أو التحول إلى خيار العصيان المدني والاضرابات التي بدأت تطرح بشكل ، وهو ما لم تلفت له الدولة بشكل جلي لمحاولة رصد هذه الظاهرة وتطورها .

المشكلة الكبرى أن الدولة الأردنية غير مبدعة في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي ، بل باتت عاجزة لمواجهة هذا السيل الألكتروني الجارف ، واختزلت الحل من خلال محاولة التوسل بقانون الجرائم الألكتروني للمواجهة ، وهذا في نظري استسلام ، ورفع للراية البيضاء ، لأنه سيدفع المواطنين إلى الإبداع في اللجوء إلى الكثير من التطبيقات من أجل الدخول إلى المواقع المحظورة والممنوعة ، بل وسيصبح كل مرهوب مرغوب ، وسيعمق من حدة الاحتقان ” الشعبي ” و” الالكتروني ” ، وسيجعل المواجهة مفتوحة من جديد .
أما أكبر المؤشرات الكاشفة عن قوة الإعلام الألكتروني الجديد وتوظيفه في الدعايات الضخمة،فنجدها عبر حالة التمترس الشعبي غير المسبوقة أمام وسائل التواصل الاجتماعي لمشاهدة بث فيديو لأحد الصحفيين الأردنيين المعارضين من أميركا الذي بات يجذب الأف المتابعين للبث المباشر أكثر من صلاة الجمعه في بلدي ، وليتجاوز مشاهدات برنامج من “سف بلدي” لأحمد حسن الزعبي أكثر من ألف ضعف مشاهدي خطاب الثقة الذي ألقاه دولة عمر الرزاز أمام مجلس النواب الأردني ، والمثير أن أحد نجوم وسائل التواصل الاجتماعي الذي لا يزيد مستواه الثقافي عن التوجيهي يبلغ أعداد مشاهدي أحد مقاطعه خمسمائة ضعف مشاهدة ندوة لأحد رؤساء الوزراء السابقين المخضرمين في أحد المنتديات العامة .
يجب علينا الاعتراف بأن هناك تشكيل ونسيج اجتماعي الكتروني جديد أخذ يتشكل ، وهو بالمناسبة أقوى من روابطنا القبلية ، اسمها “العشيرة الألكترونية” ، التي تطالب الجميع بالفزعة لإنقاذ البلد ، نعم هي القبيلة التي يعبر أعضائها ومحاسيبها من خلال المواطن البائس المسكين جام غضبهم ، ولتتنزل لعاناتهم على الفاسدين الذي أصبح هذا الاصطلاح رديفاً لكلمة “السياسيين” اللذين أوصلوا البلاد والعباد إلى ما هم عليه ، …. تلك الممارسات تركت في كثير من الأحيان أكثر الناس تلجأ إلى بث الصيحات عبر تسجيلات الفيديو ، والمناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة لتعبر عن ألمها وحزنها وحاجاتها ومطالبها ، ولتبحث عن مجيب ، يبحثون من خلاله عن المنقذ والمخلص ، بعد أن ضاقت بهم السبل ؛ يزورون الأضرحة و يتمسحون بالقبور يفتشون فيه عن ” وصفي التل ” عله يسمعهم، ويضعون صورته على وسائل التواصل الاجتماعي …، يحجون إلى ضريحه بمناسبة أو بدون مناسبة ، يفتخرون وهم يلتقطون الصور التذكارية أمام قبره ليوثقوا هذه اللحظة … لأنه ما زالوا يؤمنون أن مقعد رئاسة الوزراء ما زال شاغراً لغاية اللحظة … وباتوا يدركون أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت أهم قنوات التعبير و أحد أدوات الضغط المهمة التي يجب التوسل بها لمقارعة الدولة ومعارضة سياساتها ، وحشد التأييد ضدها …. فكم أنت مسكين وبريء أيها الشعب .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى