
الوضع القانوني الدولي الراهن لمدينة القدس
(مُستخلص واف)
د. #ماجد_توهان_الزبيدي
مستخلص للمحاضرة التي ألقاها الكاتب بنادي الجليل مساء السبت 22 شباط/فبراير 2025، بعنوان “الوضع القانوني الدولي الراهن لمدينة القدس” بيّن فيها المحاضر أن العرب حازوا مدينة القدس حيازة هادئة من عام 638 من الدولة الرومانية التي إنتهى وجودها بوطننا العربي، ولم يُنازعهم فيها منازع سوى جيوش فرنسا وبريطانيا وألمانيا إبان فترة “حروب الفرنجة” التي إستمرت لقرنين إلا قليلا ،ثم تجددت سيادة العرب على المدينة إلى أن وضعت فلسطين تحت الإنتداب البريطاني بموجب قرارات “لجنة الإنتدابات” في ” عصبة الأمم” التي كانت المنتظم الأممي بعيد إنتصارات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ،والتي تنص على تعيين وصاية دولية من دول أوروبية متقدمة لتهيئة شعوب اقطار الدولة العثمانية للتطور ثم إعطائهم الإستقلال الوطني وهو مايؤكد في القانون الدولي ان الإنتداب لم يعط أي حق سيادي أو حق تملك للدولة المُنتَدبة على أراضي الشعب الذي أصبح تحت الإنتداب .
بعد زوال عصبة الأمم وعجزها عن حل مشكلات العالم ،جاء محلها “الأمم المتحدة” والتي أوصت جمعيتها العامة في قرارها الشهير الرقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين وجعل مدينة القدس ومعها بيت لحم منطقة منفصلة عن الدولتين وتحت وصاية دولية ، وذلك بناء على توصية من الإنتداب البريطاني .
والواقع أن قرار 181 ليس بقرار مُلزم من مجلس الأمن الدولي بل من غرفة الأمم المتحدة الثانية،الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تتسم قراراتها بالتوصيات غير الملزمة ،وهو ـ لسخرية القدرـ قرار إنشاء “إسرائيل”.
لم ينجح القرار المذكور في التصويت في المرة الأولى ،لأن الدول الغالبة عدديا على أعضاء الجمعية العامة البالغين 56 دولة مستقلة آنذاك، كانت من أميركا اللاتينية والتي صوتت بالرفض خشية منها أن اليهود لن يحترمون ألأماكن الدينية المقدسة للمسيحيين في المدينة المقدسة ،ليسارع أعضاء الوفد الصهيوني ومنهم المحامي الناشط آنذاك ولاحقا”ديفيد بن غوريون” أول رئيس وزراء ل”إسرائيل”عام 1948 لتطمين الوفود ألأميركية اللاتينية بأساليب إحتيالية ثم عاد التصويت ثانية على القرار فنجح.
رفضت الدول العربية القليلة والتي كانت مستقلة إستقلالاً صورياً ولا تزيد عن السبع القرار لإعتبارات قانونية صحيحة من أهمها أن عدد اليهود عام 1947 لا يزيد عن ثلث عدد السكان ،وأن مساحة الأرض التي يملكونها لا تصل لربع مساحة فلسطين ، وأن القدس كانت العاصمة الإدارية لفلسطين إبان الحكم العثماني المستمر من من بداية القرن السادس عشر الميلادي إلى العام 1917 ،ثم أن من مبادىء فكرة الإنتدابات ومنها الإنتداب البريطاني كما أي إنتداب آخر عدم الإدعاء بحق سيادي أو حف تملكي في أرض الشعب الواقع تحت الإنتداب،الذي جاء أصلاً، بهدف تحضيرره للرقي والتقدم تمهيداً لنيل إستقلاله، وأن من الظلم إعطاء اليهود بفلسطين نسبة 56 في المئة من فلسطين البالغة مساحتها 27 ألف كم2.
أسفرت حرب عام 1948 بين مفاتلي العصابات اليهودية المسلحة تسليحا بريطانياً ومقاتلي الجيوش العربية المستقلة آنذاك تحت القيادة العامة للجنرال البريطاني ضابط الإستخبارات الشهير “جون باغوت غلوب”والتي يقدر عددها بحوالي 24 ألف مقاتل مقابل 67 ألف مقاتل يهودي ،أسفرت عن إحتلال تلك العصابات لمساحة 84 بالمئة من مساحة القدس الموحدة والتي عرفت ب”القدس الغربية”.،وتهجير مايزيد عن 700 ألف مواطن فلسطيني،وبقاء 60 ألف فلسطيني بفلسطين ثم أُضيف لهم 100ألف فلسطيني بعد أن أُحتلت أراضيهم ليلة 30و31 تشرين الأول/أكتوبر عام 1948 في منطقة المثلث والجليل الغربي والتي هي من مناطق الدولة الفلسطينية العربية التي أقرها القرار 181 وتقدر مساحتها 3200كم2!
وقبل ذلك كان الجنرال “البريطاني “اللنبي” المنتصر والفاتح ل”القدس”قد إستقدم مهندسا بريطانيا شهيرا هو مهندس مدينة الإسكندرية المعماري “السير وليام ماكلين”عام 1918،ليقوم بتصميم مخطط هيكلي تنظيمي جديد للقدس حوّل إنشاء الخدمات من طرق وتعمير ومؤسسات بإتجاه الغرب صوب أحياء ومستعمرات اليهود ،وليحاصر المدينة العربية القديمة وضواحيها ويكثر فيها من المساحات الخضراء الممنوعة على البناء.
ولم يكتف البريطانيون ب”ماكلين” بل جاءوا بأعظم مهندس بريطاني عام 1919 مباشرة هو “الصهيوني المسيحي” “باتريك غديز” المشهور عالميا الذي خطط من جديد لهيكلية القدس من منظور أنها مدينة يهودية تلمودية وإرث ديني وحضاري لليهود ،من ذلك على سبيل النثال تخطيطه لبناء مباني الجامعة العبرية على تلة مطلة على الحرم القدسي الشريف ليقف طلبة علوم التوراة والآثار والأنثروبولوجيا يوميا وعلى مدار أعوام دراستهم على النظر ل”جبل الهيكل”(الإسم اليهودي للحرم القدسي الشريف)!
وكانت كل مخططات الإنتداب البريطاني وسياساته تهدف لتحقيق وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين وهو الوعد الذي منحته حكومة بريطانيا بتارخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 ، الذي تم تضمينه في قرار من لجنةالإنتدابات العامة عام 1922 من عصبة الأمم على فلسطين،ليصبح ذلك العد المشؤوم قرارا دوليا مُلزما للعالم ،وليس لبريطانيا فحسب ،ثم تلا ذلك تحديد نهر الأردن من المنتصف كحد فاصل بين فلسطين ومنطقة “شرقي الأردن” التي اخرجتها بريطانيا من مضمون “الوطن القومي اليهودي” في وعد بلفور،بقرار رسمي من لجنة الإنتدابات العامة المذكورة، في عصبة الأمم ،في العام ذاته 1922،وهو ما ولّد معارضة من حركات متطرفة يهودية لبريطانيا خاصة من جماعات المتطرف “فلاديمير جابوتنسكي” الذي هو الأب الروحي للإرهابي المجرم المقبور “مناحيم بيغن”(أصبح رئيسا لوزراء إسرائيل عام 1977،وهو الأب الروحي لشارون ونتن ياهو وسموطريتش وامثالهم من الإرهابيين القتلة9 الذي كان مطلوبا حيّاً أو ميّتاً من قبل الجيش البريطاني ونُشرت صوره في صحف بريطانية وفلسطينية عديدة نظرا لجرائمة بقتل عدد من الجنود البريطانيين
والواقع أن الإدعاء الإسرائيلي بالسيادة على القدس وفقا لقرار 181 غير صحيح لسبب بسيط جداً، هو أن ذلك القرار أوصى بجعل القدس كلها تحت وصاية دولية وليست جزءً من أراضي أي من الدولتين العربية واليهودية ،ثم هو قرار إستشاري كتوصية.
وركز المحاضر أيضاً على قرارات مجلس الأمن الدولي والجممعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها كاليونيسكو ومحكمة العدل الدولية الخاصة بأن القدس الشرقية جزء من الضفة الغربية التي هي وقطاع غزة أرضاً عربية فلسطينية محتلة ليس من حق ل”إسرائيل في فرض أي نوع من السيادة عليها ،وان كل مستوطناتها فيها باطلة وغير شرعية وان وجود إسرائيل فيها هو” إحتلال مُحارب “لا يُنشىء حقا سياديا ولا، حقاً بالتملك وهو إحتلال يتناقض من المبدأ الأهم من مبادى وجود الأمم المتحدة وهو مبدأ عدم حق جواز الإستيلاء على أراضي الغير بالقوة…
وتطرق المحاضر أيضا لبطلان وعدم قانونية وشرعية قرار الرئيس ترامب بنقل سفارة بلاده إلى أي مكان في القدس ،وهو مارفضته الأمم المتحدة،مُبيّناً أن الأب الحقيقي لمشروع قرار نقل السفارة الأميركية للقدس هو وزير الخارجية الأميركية الحالي ،المتصهين”ماركو روبيو”(من أصل كوبي)مع زميل له عام 1994 عنما كان المذكوران من أعضاء الكونغرس الأميركي عن الحزب الجمهوري وتقدما بالمشروع ليوافق عليه الكونغرس ويُلزم به الرئاسة الأميركية،ويوصي بنقل السفارة في موعد نهايته 1999 لكن الإدارات الأميركية المتتابعة، كانت تتحجج بتأجيل تطبيقه لثغرة قانونية مفادها ،على أنمن حق الرئيس تأجيل تنفيذ أي قرار للكونغرس قد يؤثر تنفيذه على الأمن القومي الأميركي، في عهد الرئيس “بيل كلينتون”.” .
.
وأشار المحاضر إلى أن إصدار إسرائيل ل”قانون أساسي” عام 1980 في عهد الإرهابي مناحيم بيغن ( الذي سبق له أن طرح في نوفمبر 1949 وكان نائبا في الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل رسميا، حيث اقترح إعلان القدس بالحدود التي رسمها سلطات الانتداب البريطاني (بما في ذلك القسم الخاضع للسيطرة الإردنية) كعاصمة الدولة الدائمة ونقل المؤسسات الرسمية إلى غربي المدينة. رفض” الكنيست” هذا المشروع واكتفى بنقل مقره إلى القدس دون سن قانون بهذا الشأن.)،بعد إتفاقيات كامب ديفيد مع مصر ،تم بموجبه إعتبار القدس عاصمة أبدية وموحدة لها، قوبل برفض واضح من الأمم المتحدة بغرفتيها مجلس الأمن والجمعية العامة ،فأصدر المجلس قراره رقم 478، “الذي اُعتمد في 20 أغسطس 1980، هو واحد من سبعة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة أدانت فيها محاولة إسرائيل ضم القدس الشرقية. وعلى وجه الخصوص، يلاحظ قرار مجلس الأمن الدولي 478 عدم امتثال إسرائيل لقرار مجلس الأمن الدولي 476 وأدان قانون القدس لعام 1980 الذي أعلن أن القدس هي عاصمة إسرائيل “الكاملة والموحدة”، باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي. وينص القرار على أن المجلس لن يعترف بهذا القانون، ويدعو الدول الأعضاء إلى قبول قرار المجلس. ويدعو هذا القرار أيضًا الدول الأعضاء إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة” وهو مافعلته تلك الدول التي في معظمها صغيرة (هولندا، بوليفيا، تشيلي، كولومبيا، كوستا ريكا، جمهورية الدومنيكان، إلسلفادور، إكوادور، غواتيمالا، هايتي، باناما، الأوروغواي وفنزويلا ).
وتطرق المحاضر إلى الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية بإعنبار القدس الشرقية جزءً من الأرض العربية الفلسطينية المحتلة عام 1967 في رأيها الإستشاري عام 2004 بشأن الجدار العازل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية لتقطيع أوصالها، وهو قرار يستند لقرارات الامم المتحدة التي هي معيار واسس قرارات المحاكم والمنظمات الدولية ،وبالتالي بات موقف المحكمة من القدس كموقف مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها العالمية ،كمدينة تحت الإحتلال الإسرائيلي غير الشرعي وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242 الصادر بتشرين الثاني/نوفمبر عام 1967 ،الذي أكد على عدم جواز الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيةبما فيها القدس الشرقية ،وغنسحاب إسرائيل من كل ألأراضي التي إحتلتها، ثم تم تكرار مضمون هذا القرار في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 338 الصادر إثر حرب رمضان/أكتوبر المجيدة عام 1973، عن المجلس ثم لاحقا في العديد من القرارات المماثلة.