
الوثيقة 43 من #وثائق #حاتم_ليكس
#د. #حسام_العودات
عام 1995 زارني زميلي من لبنان الفكر والثقافة , بلاد أنجبت جبران خليل جبران , وبلاد تداوي مرضاها بقبلة ما أدركها أبقراط , فكان ميلاد ( بوس الواو ) .
نعم زارني برفقة زوجته التايوانيه ( قوو جيا فانغ ) , ومن الاسم يتجلى لكم طيب أصلها , فهي من عائلة قوو التي من بين أفرادها عشرة سفراء , وخمسة وزراء وخمسون محافظا .
كانت والدتي على موعد مع التحدي في ضيافة القادمين من خلف المحيط , فقد كنت وقتها أعزبا قد تعفف عن الزواج بذريعة المستقبل , فالعشق الحلال خطيئة لأصحاب الخاوية من الجيوب , وقد صدق المبدع غسان تهتموني عندما قال : ردد خلف ضلوع الصبوات يقين اللوز . مع أنه لم يقصد يوما حديثي هذا .
كان المنسف أول قنبلة في وجه فرحتها ببلاد تحمل غصّة في أسماء مدنها ومعالمها , فبحّرنا بلا حياة , وعقبتنا أكبر من ( طشت الغسيل ) بقليل .
حياتنا لم تكن غريبة على ضيفي , لكنها كذلك لضيفتنا يوم أرادت أن تلعب الريشة في باحة الدار مع شقيقتي , فما أن غادرنا وزميلي المنزل في مشوار قصير , حتى ارتدت ما تيسّر من قصار الملابس , وحملت ريشتها كسيف في غمده لا تخشى بواتره , كما قال ادريس جمّاع .
صاحت بها شقيقتي أن تبدّل الشورت ببنطال , قبل أن يلتفت أحد الجيران الى رشاقتها , فيكون مستقبل زوجته البدينة في مهب الريح والريشة معا .
ضحكت قليلا واستغربت كثيرا , وما أفلح أحد في اقناعها بتغيير الملابس سوى والدي , ولا تتخيلوا كم من الجهد قد بذلنا لاحقا كي يتراجع عن فكرة زواجه من تايوانية بعد الذي رآه , حتى أنه لم يعترض على رشيقة من فيتنام , أو من الخمير الحمر في كمبوديا .
وفي يوم غابت فيه عن المائدة قلاع من جميد , طبخت والدتي ملوخية , بمساعدة ضيفتنا , مدوّنة خطوات الطبخ على ورقة وقد حذفت المقادير , فأمي لم تبالي يوما بالسعرات الحراية في ثريد العارضات ونجمات هوليوود , ولدينا وحدة قياس قد أذهلت بني البشر , ومات العباقرة قبل أن يتفقوا على تعريف لل ( عرام ) .
تجمّعنا حول المائدة , كما الطفل بعد الفطام , وما أن ذاقت أول لقمة حتى ركضت الى (شنطتها ) ومزّقت وصفة الطعام . معللة فعلتها , وعلى سبيل المزاح , بخوفها من التعلق بوجبة لا تجدها في ( فرموزا ) أي الأرض الجميلة كما سمّاها البرتغاليون , نعم , فجميلة وحسناء مثل تايوان ,كانت للملوخية عاقرا , وهي حشيشة الفقراء .
وعدتنا الضيفة أن تطبخ لنا , وها قد جاء اليوم الموعود , وكم حمدنا الباري يومها أن المستشفى كان فيها ما يكفي من الأسرّة كي تواري سوءات التسمم في أحشائنا .
كنا كمن ينتظر الهديل من حمامة خرساء , لكنّ والدتي كانت فرحة بكل ما جرى , وليشهد التاريخ أنّ ميلاد محطة فتافيت , وغنى الشيف رمزي ما كان ليكون الا بفضل النساء من زمرة والدتي وجيا فانغ .
غادر والدي دنيانا وفي حلقه غصّة , فقد كانت زوجته بارعة في طبخ ما لا يفيد من الأعشاب , لكنها لم تتقن يوما لعب الريشة بالشورت .
د. حسام الدين عودات




