زمن البوربوينت / د.هنا طه

زمن البوربوينت

على كوكب الزهرة البائس يعشش الظلام .. فلا ترى ولا تسمع سوى نعيق البوم والغربان……
لقد كمم السحرة الاشرار افواه البلابل الرقيقة بأشرطة لاصقة ….وعلقوا في مناقير العصافير الجميلة اقفالا
ثقيلة ….افقدتها القدرة على الطيران……

اصاب الطيبين الخرس وقلة الحيلة فوصل لعضوية مجلس المدارات …أصحاب محلات التصفية ……. وفنيي صيانة الصفقات….وتجار النيازك…..
ان ما يجمع بين هؤلاء جميعا انهم زاروا منتجع مستنقعات المال العام …ولدغتهم حشرة الفساد ..فاصابهم داء النوم وسكن ضمائرهم الشخير …
… إنهم مساكين ….. قدموا براعم يقظتهم قربانا لرفعة وطنهم….ونذروا بقية عمرهم غفوة لأجل كوكبهم. …. …. في السر والعلن وفي جميع المحافل.

هل تصدقون ان كوكب الزهرة الحزين يزخر بالعقول الثمينة التي دفعها الظلم والاحباط لاقتلاع جذورها والهجرة ….. فاصبحت قناديل تنير دروب الكواكب المجاورة

مقالات ذات صلة

تلك الكفاءات ….. لو تم احترامها واستثمارها … لكانت الزهرة درة الكواكب ….لكن للأسف لقد استشرت المحسوبية .. فاصبح خريج الزراعة …. يدير المؤسسات الصحية والمستشفيات …… وخريج الهندسة النووية …يدير مزارع الأبقار …

ساحدثكم اليوم عن فزاعة …..

.فزاعة …..امراة قاسية ….بتقاطيع صخرة جرانيتية ….. انفها يتمطى ويفترش بارتياح منتصف وجهها في إطار من ملامح رجل ….بشرتها بلون تراب المقابر ….كئيبة تسقى فقط بماء الموت ….. لا تزهر ابتسامة ولا تثمر حب
طفولتها كانت قاسية …. جفف الفقر والحرمان روحها منذ الصغر…. فاصبحت كائنا مجوفا ….يسكنه التصحر …..

ولدت فزاعة في إحدى مدن كوكب الزهرة ….وشحذ ضيق العيش والتجذير في الدمن ….. نصل الانتهازية لديها منذ نعومة اظافرها…فأصبحت تعتنق ديانة الغاية تبرر الوسيلة ……

كبرت فزاعة ….ونمت داخلها كل النقائص …..الكذب والنفاق والوصولية والاستغلال وغيره من ألوان سوء الخلق….

درست وحصلت على دبلوم في أساليب تحسين الأخلاق من معهد المباديء الهلامية …. ثم عملت في مكتب استقبال إحدى أكبر شركات الاستشارات الإدارية في الزهرة ….

هناك …..تحملت فزاعة الكثير من الامتهان لتتعلم ….كانت تقدم القهوة للخبراء والمستشارين…وتمني نفسها …بان زمانها لا محالة قادم ….

وفي يوم من الأيام ….ابتسم لها الحظ ….وعلمتها إحدى الموظفات في تلك الشركة …كيف تجهز محاضرة بوربوينت على جهاز الكمبيوتر …وكيف ترقص الصور والكلام ….وبعد أن اكتسبت فزاعة تلك المهارات …. استقالت تلك الموظفة … وهاجرت إلى كوكب المشتري ….

طورت فزاعة مهاراتها ….وأصبح صاحب المكتب يعتمد عليها في تجهيز المحاضرات لكبار العملاء ….
الذين ….يفضلون …الصور الراقصة
والكلمات المرتجة. .. تنطلق من شاشة الكمبيوتر …تماما كصندوق العجب …. لم يكن من المهم فحوى تلك المحاضرات ….فالمضمون …أمر هامشي …المهم ترقيص كل شيء … “فالجمهور عايز كدة”

مع الزمن …أصبحت فزاعة ….لا تقدر بثمن . .. فمهارة يديها الفضائيتين جعلت رئيسها يؤدي لها فروض الولاء والطاعة …. فهو لا يعرف البوربوينت نهائيا .. .. لقد أصبح يستشيرها في كل شاردة وواردة. …. ولا يتحرك قيد أنملة …دون مباركتها….فهي من تجهز كل محاضراته. …..التي ينال عليها تصفيقا منقطع النظير…..

طبعا …تسلقت فزاعة الهرم الإداري بجدارة …وأصبحت نائب للمدير العام….وتم استضافتها في برامج التلفزيون والإذاعة الصباحية كأهم المستشارين في القيادة الملهمة …على كوكب الزهرة ……

وبعد سنتين فقط أسست صاحبتنا شركة استشارات خاصة بها … وأحيل على مكتبها عطاء دعم الريادة وتطوير القطاع العام في الزهرة ….. فالكل يعلم ان كل المهارات المطلوبة لرفع سوية القطاع العام …هي معرفة البوربوينت. ….وليس هناك مثل فزاعة في هذا المضمار …. بغض النظر عن زيادة المديونية والفقر والفساد ….المهم استمرار المحاضرات والكلمات الراقصة …واستمرار التصفيق…..

بعد ذلك كان من الطبيعي أن تترشح فزاعة لعضوية مجلس المدارات لتمثل كل عباقرة الزهرة …. واكيد نجحت صاحبتنا نجاح منقطع النظير بدعم كل من حولها من مشجعي البوربوينت….

خلاصة الحكاية ..يجب عدم الاستهانة بمهارات البوربوينت ….انظروا ….كيف أوصلت فزاعة إلى المجد التليد. …على كوكب الزهرة اكيد .. .
بقلم الدكتورة هنا طه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى