جامعات الأطراف وادعاءات التنمية / د . معن مقابلة

جامعات الأطراف وادعاءات التنمية

كانت احد أهم أسباب التوسع في إنشاء الجامعات الأردنية الحكومية ، وخاصة تلك التي أنشئت في الأطراف وفي المحافظات هي لتنمية تلك المناطق ، وهذا نظرياً وعالمياً صحيح . فكثير من الجامعات في كثير من الدول الغربية منها كان اختيار موقعها يخضع لغايات علمية وبحثية وتنموية أيضاً.
أثناء وجودي وأسرتي في مدينة بولمان (Pullman) مقر جامعة ولاية واشنطن اكتشفت أن هذه الجامعة أنشئت على أطراف الولاية حيث يفصلها عن ولاية آيدهو وجامعتها أي جامعة آيدهو بضعة أميال ، وكان السبب الرئيس في إنشاء هذه الجامعة أي جامعة ولاية واشنطن لتنمية المنطقة زراعياً ، إذ ابتدأت هذه الجامعة بكلية للزراعة ثم أخذت تتوسع ، فالمنطقة التي أنشئت عليها الجامعة منطقة سهول مترامية الأطراف تمتاز بعمق تربتها وتساقط كثيف للأمطار والثلوج عليها. ويكفي أن نعلم آن هذه المنطقة وتسمى منطقة البالوز ((Palouse والتي تضم سهول واسعة بين ولايتي واشنطن وآيدهو مشهورة بزراعة الحبوب وخاصة القمح فمعظم القمح الذي تستورده مصر والأردن يأتي من هذه المنطقة. وكان لكلية الزراعة في الجامعة دوراً واضحاً في تحسين إنتاج الحبوب من هذه السهول فطقس المنطقة بارد جداً وطويل في فصل الشتاء ، حيث تتساقط الثلوج بغزارة عليها، مما يُوثر على إنتاج الأرض فكان للجامعة الدور الأساسي في تحسين نوعية البذور لتقاوم هذا الطقس وتزيد الإنتاج . بحيث أصبحت من أشهر السهول ليس على مستوى الولايات المتحدة فقط بل على مستوى العالم في انتاج الحبوب كالقمح والحمص والعدس والبازلاء وغيرها من الحبوب التي يتم تصدير معظمه لدول العالم الثالث ، وعلى الرغم من ان هذه الجامعة تم إنشاءها عام 1892م الا ان سياسة الولاية تمنع التوسع بالبناء في هذه السهول فلا تزال مدينة بولمان مقر الجامعة الرئيسي مدينة صغيرة لا تتجاوز مساحتها عشرة أميال مربع وعدد سكانها لا يتجاوز الخمسين الف بما فيهم طلاب الجامعة ، وذلك للحفاظ على هذه السهول من الآعتداء العمراني ، وعندما كنت اتجول في أطراف هذه السهول ، كنت اتذكر سهول حوران التي نشأت انا شخصياً على اطرافها ، والتي تشبه سهول منطقة البالوز ، وكيف تم استغلال الثانية بحيث أصبحت تُصدر الحبوب لكثير من دول العالم وخاصة مادة القمح ، هذه المادة الاستراتيجية التي من خلالها تسيطر الولايات المتحدة على كثير من دول العالم ومنها دولنا العربية ، بينما سهول حوران والتي أنشئ فيها جامعتين حكوميتين ( اليرموك والعلوم والتكنولوجيا) وجامعتين خاصتين (اربد الأهلية و جدارا) وكيف كان انشاء هذه الجامعات سبباً في تدمير سهول حوران لا تطويرها وتحسين انتاجها من الحبوب ، فهذه السهول أي سهول حوران كانت تزويد الامبراطورية الرومانية بما تحتاجه من القمح والحبوب الأخرى ، والتي كانت تُعرف بأهراء روما ، أقول تدميرها بحيث أصبحت هذه الجامعات والتي أنشئت في وسط هذه السهول سبباً في ارتفاع أسعار الأرض فيها خاصة عندما شق هذه السهول طريق سريع لا يخلو فتحه من شبهة فساد بمساره المتعرج ، وأصبحت قبلة للمستثمرين في العقارات وبناء المتاجر والعمارات ، فلا يوجد تشريع أو قانون يمنع الاعتداء على هذه بالبناء ، وإن وجد فهو على الورق فقط.
وهذا الأمر ينسحب على موقع مقر الجامعة الهاشمية وجامعة آل البيت وجامعة مؤتة وجامعة البلقاء التطبيقية ، وعلى ما يبدو ان صانع القرار العبقري في التنمية ، يرى تنمية تلك المناطق هو بتعيين بضع مئات من أبناء هذه المنطقة أو تلك في تلك الجامعات ، وهذا يأخذني الى تقرير أو دراسة صدرت مؤخراً عن التعيينات في الجامعة الهاشمية – وقت خروج هذه الدراسة عليه اشارات استفهام كونه فترة صدورها هي فترة التجديد للرئيس الحالي من عدم التجديد – خًلُص التقرير الى أن نسبة 62% من التعيينات في الجامعة كان بالواسطة ، وبعيداً عن المعايير التي اعتمدت عليها الدراسة لتخرج بهذه النتيجة ، الا انني أكاد أجزم انها صحيحة ان لم تكن أكثر من ذلك ولا أظن ان الادارة الحالية تتحمل هذا النتيجة ، ففي سنوات سابقة كان أحد النواب وهو ينتمي لعشيرة ترى بأحقيت ابنائها التعيين في هذ الجامعة له دور كبير في تعيين ابنا عشيرته ومنطقتيه ، وساعده بذلك احد رؤوساء الجامعة وكان من نفس العشيرة ، وهذا الأمر ينسحب على جميع جامعات الأطراف ( جامعة الحسين وجامعة مؤتة وجامعة الطفيلة وجامعة البلقاء التطبيقية وجامعة آل البيت ) لقد كانت انطلاقة الجامعة الهاشمية تشبه انطلاقة جامعة اليرموك في تميزها من خلال الادارات المتميزة التي قامت على تأسيسها الا ان الضغوطات التي يتعرض لها الروؤساء وضعف بعضهم في تعيينات الإداريين والاكاديميين وابتعاث من لا تنطبق عليه شروط التميز سيؤدي بالضرورة لتراجع هذه الجامعات ، وتصبح أماكن للتخلص من البطالة فقط ، وليس مراكز بحث ومعاهد علم تستقطب المتميزين من ابناء الوطن.
ان انتشار هذا العدد الكبير من الجامعات على مساحة الوطن في ظني غير مبرر سواء الحكومي منا أو الأهلي فقد بلغ عدد الجامعات الحكومية تسع جامعات , والخاصة خمس عشر جامعة ، فاذا كان زعم صانع القرار لتنمية تلك المناطق فهو زعم غير صحيح وخير دليل على ذلك ان هذه الجامعات لم يسجل لها انجاز واحد في تنمية تلك المناطق ، الا اذا كان تعيين ابناء هذه المنطقة أو تلك في هذه الجامعات هو المقصود بالتنمية. أضف الى ذلك ان جامعات الأطراف هي الجامعات الأكثر عنفا بين طلبتها لأسباب عديدة ليس هنا مجال ذكرها ولكن احد أهم هذه الأسباب التعيينات التي لا تقوم على أسس العدالة والكفاءة ، والصادم في الأمر ان ابناء هذه المناطق يرون ان تعيينهم في هذه الجامعات حق مكتسب لا ينازعوا فيه. والأغرب من ذلك ان ادارات هذه الجامعات اصبحت تضع علامات اضافية لأبناء هذه المناطق ، ليس فقط في الوظائف الأدارية بل والأكاديمية أيضا ، وهذا ما حدث معي شخصياً ، حيث تم اقصائي – جامعة آل البيت – من التعيين رغم حصولي على المركز الأول في المنافسة لحساب أحد ابناء المنطقة.
أخيراً ، ان زعم صانع القرار في التوسع بإنشاء الجامعات لغايات التنمية ، زعم لا يصمد أمام الواقع ، بل اصبحت هذه الجامعات اماكن لتفجير تلك المناطق من الداخل ، خاصة ان سياسات الحكومات المتعاقبة والتي اصبحت سياسة دولة والتي لا تقوم على العدالة في توزيع مكتسبات التنمية ان كان هناك في الأصل تنمية ، فالتنمية تحتاج لخبراء في الأفتصاد لإعادة تأهيل القطاع الزراعي والصناعي والتجاري وتكنولوجيا المعلومات ، أما زعم النظام الذي يردد على مسمعنا ليل نهار ، اسطوانتة المشروخة قلة الموارد فهو زعم باطل فبلدنا غني بموارده الطبيعة اذا ما توفرت الإرادة السياسية لإستثمارها ، والأهم من ذلك كله ان هذا البلد غني بموارده البشرية فأبنائه تجدهم في السوق العالمي يعملون في اشهر الشركات كا مايكروسوفت وأبل وأعرق الجامعات العالمية وتجدهم من أفضل الكفاءات فيها.
د. معن علي مقابلة
Maen1964@hotmail.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى