تغيير الوضع القائم في القدس / د. رياض حمودة ياسين

تغيير الوضع القائم في القدس

السيادة تاريخيا على الاماكن المقدسة كانت للمسلمين، ومع العشرينات اي منذ بيعة الشريف حسين ملكا للعرب سنة 1924م ظلت مرتبطة بالاردن،وانتقلت الى قيادات محلية فلسطينية في ظل الانتداب البريطاني حتى عام 1948م.واصبح الأمر الواقع سياسة مرسومة سار عليها البريطانيون والاردنيون والاسرائيليون اثناء حكمهم لفلسطين منذ عام 1928 م وحتى الان.
وبعد حرب 1948 وبموجب اتفاقية رودس اصبح للاردن السيادة على الضفة الغربية والقدس ومقدساتها بلا منازع، حتى ضمّت حكومة الاحتلال الاسرائيلي بعد الاعمال العدائية الكثيفة في حزيران 1967 بموجب قانون بلدي اسرائيلي ذلك الجزء من القدس الذي كان يسيطر عليه الاردن سابقا، وقامت بتوسيع حدود بلدية القدس وتوحيد المدينة بعد احتلال الجزء الشرقي. وقد بدأت الخطوات العملية لإنشاء حي يهودي جديد، فقامت سلطات الاحتلال بهدم جزء من حي المغاربة (المحاذي للحائط الغربي للمسجد الأقصى) وقامت بإجلاء سكانه. كما قامت بإجلاء سكان حي الشرف، وهو من الاحياء العربية القديمة، وقامت بعزل احياء عربية كاملة من القدس على إثر إعادة ترسيم الحدود للمدينة.
وبتاريخ 27 حزيران 1967م أقر الكنيست الاسرائيلي ثلاثة قوانين أثرت في مكانة القدس والاماكن المقدسة، واهمها توسيع حدود بلدية القدس العربية، وإصدار قانون حماية الأماكن المقدسة. وتعتبر هذه القوانين تعديا صارخا على الأعراف والقوانين الدولية،كما تعتبر في الآن نفسه إلغاءً للوضع الراهن من طرف واحد. وفي الوقت ذاته، فقد أطلقت إسرائيل يدها في القدس العربية لتخلق واقعا قائما. وبالرغم من عدم شرعية ذلك إلا أنه شكل قاعدة لمفاوضات السلام التي جرت، أو تلك التي يمكن أن تجري.
وبموجب هذه القانون عرّفت دولة اسرائيل نفسها بانها صاحبة الولاية الإدارية والدينية المفهومة ضمنا نتيجة استحقاق السيطرة السياسية والعسكرية الفعلية على الأرض، وبالتالي تجاوزت وألغت القوانين الأردنية واستبدلت بها التشريعات والقوانين الاسرائيلية.
بمعنى اكثر وضوحا، عاملت اسرائيل مدينة القدس كلها وضواحيها التي تنمو وتتسع والبلدان والقرى المحيطة بها باعتبارها جزءا من أرض اسرائيل يطبق عليها قانون وادارة اسرائيليين،خاصة أنها أخضعت مدينة القدس لرئيس مجلس بلدي واحد. وتتصرف السلطات الاسرائيلية ،حكومية كانت أم بلدية، في القدس كما لو كانت عاصمة «دولة اسرائيل». ومنذ عام 1967 أصدر رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن تصريحات مفادها أنه لا رجوع الى وضع القدس»المقسمة» السابق أو أي اقتراح مثل تدويل المدينة باعتبارها «كيانا منفصلا»،وهذا الأمر لا يمكن التفاوض عليه.
وكان موقف الأمم المتحدة واضحا في رفض إجراءات اسرائيل الاحادية في المدنية. فجاء قرار مجلس الأمن رقم 271 بتاريخ 15-9-1969 ليبدي ملاحظة المجلس للغضب العالمي الذي سببه عمل تدنيس المسجد الاقصى ودعوة اسرائيل إلى الغاء جميع الاجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس، وأبدى مجلس الامن في قراره رقم 298 بتاريخ 25-9-1971 الاسف لعدم احترام اسرائيل قرارات الامم المتحدة الخاصة باجراءاتها لتغيير وضع القدس.
وظل الاردن يعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية جزءا من اراضيه ويخضع لقوانين وتعريفات الاحتلال حسب القانون الدولي ويسري عليها قرارات الامم المتحدة بوصفها اراض محتلة منذ العام 1967م، خاصة قرار رقم 242 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 22 تشرين الثاني 1967،حيث تضمن التأكيد على عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير.

وبعد وقوع القدس الشريف في يد الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 شكل المواطنون في القدس الهيئة الاسلامية العليا التي اعلنت في أول بيان لها ان القدس عربية وهي جزء لا يتجزأ من الاردن، وان ميثاق الامم المتحدة يمنع اسرائيل من الاعتداء على الاراضي الاردنية، ولذا فانه لا يجوز لإسرائيل ضم أي جزء من الاراضي الاردنية اليها. وكذلك ظلت اجهزة الاوقاف والمحاكم الشرعية مرتبطه بأجهزة الحكومة الاردنية ادارياً وقانونياً ومالياً رغم وجود الاحتلال، وتم تشكيل مجلس للاوقاف في القدس ليشرف بشكل عام على ادارة اوقاف القدس، ويتم تعيين اعضائه بقرار من مجلس الوزراء الاردني الموقر، وذلك للاشراف على ادارة الاوقاف والاملاك الوقفية التي تشكل اكثر من 50% من الاملاك في القدس الشريف.
وقد توقف دخول السياح نهائيا الى الحرم بعد انتفاضة الاقصى لفترة مؤقتة 2003-2005 ثم وافق الاردن على فتح أبواب الحرم امام الزوار، وبعد فتح باب المغاربة استأثرت اسرائيل بالاشراف على دخول السواح والمستوطنين. وفي إشارة واضحة الى ان حكومة إسرائيل تصرّ على انها صاحبة الولاية الفعلية على الأرض، ويمكن لها ان تتدخل في إدارة شؤون العبادة والاماكن المقدسة على الرغم من اعترافها بالدور الأردني في الإشراف على الأماكن المقدسة ومايتضمنه ذلك من السماح للمصلين المسلمين والزوار بدخول الحرم الشريف.
وحاليا يُفهم من الوضع القائم الدور التاريخي الأردني ضمن الوصاية على المسجد الأقصى والمقدسات الاسلامية في القدس،ومايتضمنه ذلك من السماح للمصلين المسلمين بالدخول ولغير المسلمين بالزيارة. وقد ورد ذلك في اتفاقية الوصاية الاردنية الفلسطينية على الاماكن المقدسة تحديدا بتاريخ 31 آذار 2013، وذلك من خلال المادة ج: «وانطلاقا من الأهمية الدينية العليا التي يمثلها لجميع المسلمين المسجد الأقصى المبارك الواقع على مساحة 144 دونما، والذي يضم الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه فوق الأرض وتحتها والأوقاف الموقوفة عليه أو على زواره (ويشار إليه بـ «الحرم القدسي الشريف»). ويُفهم من ذلك أن المسجد الأقصى غير قابل للشراكة أو التقسيم المكاني أو الزماني بأي حال من الاحوال.
اسرائيل تنتهك الواقع القائم وتعتدي على التراث والمقدسات وهي كدولة الاحتلال غير امينة على هذه الممتلكات المحمية بموجب القانون الدولي، وهي تنسى أوتتناسى انها دولة محتلة يفترض ان تراعي المحافظة على هذا التراث وصيانته وفق المعايير والقوانين الدولية ومواثيق اليونسكو وقرارات لجنة التراث العالمي التي بموجبها تم تسجيل تراث القدس الثقافي على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر منذ عام 1983،هذا بالاضافة الى المرجعيات المعروفة بدءا باتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 واتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح واتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972 وبادراج مدينة القدس القديمة من جانب الاردن في قائمة التراث العالمي عام 1981 وفي قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 1982 وكل قرارات اليونسكو بما فيها قرارات المجلس التنفيذي للعام 2016م والتي باتت مرجعية دولية جديدة.
ان ما تقوم به اسرائيل يمثل تحديا سافرا لكافة مقررات الشرعية التي أقرها المجتمع الدولي بشأن الوضع القانوني لمدينة القدس وعدم التغيير والتبديل في الطابع التاريخي الاصيل لهذه المدينة التي تعدّ قيمة تاريخية عالمية بمرموزاتها كمدينة للتعايش الديني العالمي ،وهذا معناه ان مسؤولية حمايتها منوطة بالعالم كله.
ما قامت به الإدارة الأميركية بإعلانها القدس عاصمة لدولة اسرائيل سيؤجج ثقافة العنف ويعمق الكراهية ويوسع مساحات التطرف في العالم كله،فالقدس هي جوهر السلام الدولي لما تمثله من رمزيةوجدانية لأتباع الرسالات السماوية الثلاث. وكأن الولايات المتحدة تنوي إشعال حرائق طائفية ومذهبية في المنطقة وتقضي على السلم الدولي،وتنهي الامل بالنسبة للتعايش في المنطقة.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى