في سجن الجويدة (٣) / النزيل : محمود الشمايله

في سجن الجويدة (٣):

الزيارة:

صباحات الجمعة ، كان ذلك يومي الثالث في السجن ، فتحت ابواب المهاجع جميعها وانتشر النزلاء على الادراج وفي ساحات السجن ، لم أك أفهم الحركة الدؤوبة للمساجين لولا تدخل النزيل ابو شعل، فقد اشعل سيجارة جديدة كما اشعل فضولي حين قال : اليوم هو موعد الزيارة.

في سجن الجويدة تنتشر سماعات البوق فوق المباني ، وثمة صوت غير واضح المعالم يخرج منها، ولكنك لن تجد صعوبة في فهم الحالة ، فهو بلا شك ينادي على اسماء النزلاء فثمة آخرون جاءوا من العالم الخارجي لزيارتهم.

اقتادني ابو مشعل إلى عدة زوايا في السجن ، قال انه يبحث عن نقطة استقبال أفضل للصوت ، في حقيقة الأمر جميع الأماكن متشابهه كبؤسها، جميع الاسماء مشوهه وغير واضحة المعالم.
وحدة قلب ابو مشعل كان يخفق بجدارة المشتاق للغائب الذي كان من الممكن أن يطرق باب السجن زائرا.

لم أكن انتظر أحدا ، ولم أكن املك تلك اللهفة التي ارتسمت على وجوه النزلاء، اكتفيت فقط بمشاركة ابي مشعل اشواقه وبعض من احزانه وربما الكثير من أحلامه.

انه يوم عصيب ، يتكدس الانتظار في ساحات السجن وثمة الكثير من الخوف يجثم على القلوب ، فخيبة الأمل في السجن مرة كالعلقم .

كان انتظار ابو مشعل كأنتظار الفلاحين لقطرات المطر ،
انه يشبه انتظار الورد لقطرات الندى، أو ربما انتظار عاشق لمحبوبته على ناصية محطة القطار.

قلت لابا مشعل: هل تنتظر شخص ما؟

أدار رأسه ونظر في عيني طويلا، وكأنه غاب عن الوعي، فلم يعد يدرك ذلك الصوت المشوهه الذي كان يخرج من الأبواق.

تلك النظرة جعلتني اندم على سؤالي، ل لحظة ما شعرت اني وضعت ابا مشعل أمام خيبته دفعة واحدة .

غير أن أبا مشعل ابتسم في وجهي من جديد وأردف يقول يا أبا محمد ربك كريم ولا ينسى أحد.

حينها عرفت ان كلام ابا مشعل لم يكن سوى رشوة يقدمها للقدر لعل الله يحدث بعد ذلك امرا.

في سجن الجويدة تتشابه اشواق النزلاء تماما، تتعلق قلوبهم بصوت البوق حتى لو كان مشوها.

حتى انهم ظنوا اني اتعاطى مرارة الانتظار مثلهم او مثل ابو مشعل.

انهم ينتظرون صديق ابو حبيب أو قريب أو حتى عدو يخبرهم بأن هناك موافقة على الكفالة، هذا الخبر كفيل بإعادة الحياة إلى قلب يائس عاش من البؤس دهرا.

ابو مشعل ايضا كان ينتظر شخص ما يخبره بأمر الكفالة.

لم يكن النزلاء يعلمون بالموعد ، لذلك عليهم الإنصات جيدا لصوت البوق ومتابعة الاسماء من الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة الثانية من بعد الظهر .
لا شيء هنا سوى الانتظار.

هذا الأمر جعل ابو مشعل يغلق أي موضوع افتحه معه كي يتمكن من متابعة الصوت ،
وعندما شعرت بالملل تركت ابا مشعل فيما هو فيه ورحت ابحث عن شخص آخر لا ينتظر شيئا مثلي.

عدنا الى المهاجع وكل منا يحمل حصته من الخيبة ، ابو مشعل ايضا كان يضحك من فرط الألم،،،،حتى علق شيئا من احزانه في روحي.

عندما خرجت بالكفالة من السجن وكان ذلك مساء الأحد ، كنت قد ودعت الزملاء النزلاء شركائي في البؤس،لم اكن افهم وجه ابا مشعل غير أنه لم يكن يحسدني ربما كان سيفقدني، وانا كنت افكر كيف سيكون حال ابا مشعل فيما لو قمت بزيارته وتركت البوق ينادي على اسمه؟!

وفي ذات الليلة التي وصلت فيها البيت، اتصلت بأحد الأصدقاء وكنت اتمنى لو انه يعرف من هو ابو مشعل،

وقد راهنت على ذلك ، فقد عرفه وعرف نوع قضيته الموقوف على ذمتها.

طلبت منه أن يجري اللازم وان يفعل أي شيء لمساعدة هذا الرجل النبيل.

وعدني بكل حماس ثم أضاف لعيونك يا ابو محمد ابشر.

وفي اليوم التالي اتصل معي ابو مشعل من خارج السجن ..

كان صوته واضحا غير مشوهه لا يشبه تلك الأبواق المعلقة على جدران سجن الجويدة.

لن اكشف شخصية ابو مشعل قبل أن استشيرة بذلك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى