تحت الضوء

#تحت_الضوء
د. #هاشم_غرايبه
التقيت مؤخرا بشخص أعرفة منذ زمن، وما جمعنا غير المحبة في الله، فقد كان شخصا مؤمنا عابدا طائعا، ولم ينتقص من قدره عندي اختلافنا المنهجي، إذ كان ينتمي الى السلفية المتشددة، ومتطرفا لا يؤمن بتغيير إلا بحد السيف.
لما التقيته بعد غياب خمس سنوات، قضاها ما بين مطارد أو نزيل المعتقلات وجدته قد تغير جذريا، وحتى لا أصدم بادرني هو بالقول أن أموره الآن استقرت بعد أن تاب عن (ضلاله)، فسألته: ما هو الضلال الذي تعنيه؟.
قال إنه الآن يتبنى الفكر (الواقعي) الذي يتقرب به من الله، ويكرس جهده للتصدي للأحزاب الدينية.
عندها أدركت انه ما أفرج عنه إلا بعد أن اجتاز دورات غسيل دماغ، فأحببت أن أعرف ما الذي زرعوه فيه فسألته: هل لدينا احزابا دينية؟ فانتفض قائلا: الله أكبر هل تنكر أن الإخوان المسلمين حزب؟.
قلت هو حزب سياسي ليبرالي مسجل باسم جبهة العمل الإسلامي، وله مقر رسمي معلن، ويسعى كباقي الأحزاب للوصول الى السلطة، ولا يعني تبنيه منهج الإسلام انه يمثل الدين، بل يفترض بكل حزب يسعى لنهضة الأمة أن يتبنى منهج الإسلام.
قفز فورا الى القول: الإخوان أخطر على الدين من الصهيونية لأنها حركة ماسونية، وسيد قطب ماسوني.
فقلت له: مهلا، الماسونية لا تقبل الانتساب إليها من جماعات، بل أشخاص ينتقون بعناية، ويشغلون مواقع هامة، فدعك من هذه الترهات، فقال: أراك تدافع عنهم!.
قلت له: مثلما كنت أدافع عنك رغم أني لم أكن أوافقك في منهجك، فواجبي أن أدافع عن كل مسلم يوحد الله، لأنني إذا واليت من يحاربه لمطالبته باتباع منهج الله، سأكون من العاصين لأمر الله.
عندها قام معتذرا عن اكمال الحوار.
مكثت بعدها أتأمل، فهل حقا أن الإخوان المسلمين بذلك التأثير بحيث يشكلون خطراً على أنظمة سايكس – بيكو، حتى يكون مهاجمتهم معيارا لصدق توبته عن ما يعتبرونه ارهابا؟.
لا أعتقد ذلك، فقد تم البطش بهم بشدة في مصر وسوريا وتونس ودول الخليج، ولم تهرع الشعوب لنصرتهم، وبقيت الأنظمة.
إذا فليسوا هم المستهدفين كتنظيم، بل الإسلام السياسي كمبدأ، لأنه عمل جماعي منظم.
فلا تقلقهم كثرة المصلين، ولا لبس الدشاديش وإطالة اللحى ومظاهر التدين الفردي، لكن ترعبهم الدعوة لإقامة نظام يحكم بشرع الله ويحقق وحدة الأمة.
لذلك تغير الدساتير وتعطل الحياة السياسية وتزور الانتخابات في كل أقطار العروبة، لمنع وصول من يحمل الفكر الإسلامي كعقيدة ومنهج، خوفا من عودة الأمة الى وحدتها تحت راية الدولة الإسلامية، كونها ستعيد للأمة سابق عزها ومجدها.
الأمر الثاني وهو توحد كل معادي منهج الله على معاداة سيد قطب، ترى ما الذي يحمله فكره حتى انفرد من بين كل المفكرين بتعرضه للهجوم الشرس، رغم مضي أكثر من نصف قرن على استشهاده؟.
لو تأملنا في مقولته: “كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان، أما الأفكار التي لم تتطعَّم هذا الغذاء المقدس فقد وُلِدَت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام”.
لعرفنا أنه كان يدرك مسبقا أنه سيدفع حياته ثمنا لفكره النهضوي، فما دعا له كان تغييرا حقيقيا يفضي الى النهضة الموعودة، لذلك شعرت أنظمة سايكس – بيكو وولاة أمرها بالخطر، حاول عبد الناصر بداية مساومته للانضمام لجوقة المصفقين والانتهازيين، فلم يستجب فاعتقله، فتدخل زعماء عرب للإفراج عنه، فقال لأحدهم: أفرج عنه بشرط أن يقيم في بلدك، فارتعد هلعا وعاد عن وساطته، لكنه استجاب أخيرا لعبد السلام عارف فأفرج عنه.
عندها تدخلت أمريكا مباشرة من خلال “صلاح نصر” الذي تبين فيما بعد أنه كان عميلا للمخابرات الأمريكية، وكان يشغل رئيس نيابة أمن الدولة، فدبر تهمة تافهة إسمها تكفير المجتمعات، حيث لم تكن أمريكا قد اكتشفت بعد تهمة الإرهاب.
هكذا نفهم كم يعتبر معادو إقامة منهج الله هذا الفكر خطيرا، فبعد أن أعدموه اكتشفوا أن فكره لم يمت بموت حامله، لذلك لم تتوقف الحملات الى اليوم لتشويهه والطعن بمؤسسه.
فسبحان مدبر الأمور، كيف جعله شوكة في حلوق الطغاة حيا وميتا، وجعل الطعن به فيصلا، يدلنا على من في قلوبهم مرض، سواء كانوا كافرين بالدين، أو متدينين قد يزيدوا عنا صلاة وصوما.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى