المضحكون / يوسف غيشان

المضحكون
يقول الكاتب الأيرلندي الكبير اوسكار وايلد، صاحب رواية “صورة دوريان غراي” المذهلة..يقول ما معناه ، انه اذا اردت قول الحقيقة للناس ، فعليك ان تضحكهم اولا، الا قتلوك. هذا الكلام الذي قيل قبل حوالي 120 عاما ما يزال قيد التنفيذ، ومن الصعب قول الحقيقة للناس ، حول انفسهم تحديدا، الا اذا حاولت اضحاكهم اولا.
تلقيت قبل قليل دعوة للحديث خلال مهرجان ثقافي ، وقد قالت المنسقة على الهاتف، ما معناه ، انه يمكنك ان تضحكنا في الوقت المحدد لك. وهذا ما احزننني ، ويحزنني دوما.
يحزنني ان ينظر الناس للكاتب الساخر على انه مجرد شخص مضحك، للتسلية والترويح . ومع احترامي وتقديري لكل القادرين على اضحاك الناس ، وهذه مهمة صعبة جدا، الا ان الكاتب الساخر ، ينظر الى نفسه بشكل مختلف ، ويعتبر الضحك مجرد وسيلة لتوصيل الرسالة الجادة لغاية تقبّلها من المتلقي ، ولا يهدف الى اضحاكه، بل الى ابكائه في الواقع.
ان جعل الإنسان يتنبه الى اخطائه وخطاياه وممارساته المغلوطة، التي لا يدرك مدى رعونتها، هذه احدى رسائل الكاتب الساخر على المستوى الفردي ، وتكتمل الرسالة اذا حاول هذه الشخص تجنب هذه الأخطاء والإبتعاد عنها ، بعد ان ادرك مدى سخافتها.
ان يعرف الإنسان حقوقه، ويدرك قدرته على الحصول عليها من خلال النضال من اجلها ، وكسر هذه الهالة الوهمية التي يحيط المسؤولون انفسهم بها، وتحويلهم الى كائنات في منتهى العادية يمكن مقارعتها ومصارعتها لنيل الحقوق الأنسانية التي تتناسب مه الواجبات.
حتى لو كان اسلوب الساخر يؤدي الى تفريغ الشحنات العاطقية القوية لدى الناس ، فهذه ايضا رسالة جيدة، وليست تهمة للساخرين ،لأن الإنفجار الفوضوي يؤذي مفاصل الدولة – اي دولة- بينما التمرد المنظم، الذي يدرك اهدافه تماما هو المطلوب من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من العدالة الإجتماعية ، التي هي في الواقع مفهوم نسبي وبشري ، لا يمكن الحصول عليه الا بالنضال .
المؤلم ان بعضنا – نحن الساخرين – وربما جميعنا في بعض الأحيان ، من يعطي الأنطباع بأننا كائنات مضحكة فحسب ، وقد ساهمت بعض وسائل الإعلام، في ذلك حينما تنشر مساهمات الساخرين في صفحات التسلية والترفيه.
وتلولحي يا دالية
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لم نعد نعطي بالا للكتابات الساخرة ولا للمسرحيات الساخرة لأننا نعرف جيدا ان هدف مسؤولي الدولة هو تفريغ شحنات الغضب لدينا من خلال اضحاكنا واثرنا الاحتفاظ بهذه الشحنات الغاضبة من اجل تفجيرها في وجوههم يوما ما وعسى ان يكون قريبا.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى