المساجد أم المدارس / أ.د. خليل الرفوع

المساجد أم المدارس
من الظواهر الاجتماعية الخيرية التي يحرص الأردنيون عليها سرًّا وعلانيةً الإنفاقُ في سبل الخير والأعمال الصالحة ، وعلى رأسها بناءُ المساجد استجابةً لدعوة الله بإعمار بيوته ؛ فذلك من الإيمان الكامل “فعُمَّار المساجد – بناءً وصلاةً – هم أهلُ الله ” ، كما نَدَبَ الرسول عليه السلام المسلمين إلى بنائها بقوله في الصحيحين:”مَنْ بنى بيتا يبتغي به وجهَ الله بنى الله له بيتا في الجنة “وكان أول عمل للرسول عليه السلام في المدينة بُعَيْدَ الهجرة هو بناء المسجد ليكونَ رمزا للدولة ، ولأنه مكانُ عبادة وعلم فلا يُرْفَثُ ولا يُفْسَقُ ولا يُرْفَعُ صوتٌ فيه؛ فالمساجد أماكن مقدسة للعبادة وللدعوة لله تعالى وللتكافل والتراحم ، ولا يُدعى فيها مع الله أحدٌ.
وليس غريبا أن نجد في كل حيٍّ أو زاوية في وطننا مسجدا أكان صغيرا أم كبيرًا ، والفضل في البناء يعود للناس الذين يبذلون أموالهم لتشييدها ، والفكرةُ تبدأ بتشكيل لجان لجمع التبرعات وسرعان ما يبدأ الإعمار ويُتَفَنَّنُ في هندستها وزخرفتها وتزيينها وفرشها بأفخر البسط والسجاد على الرغم من نهي الرسول عليه السلام عن المبالغة في زخرفتها وتزيينها ؛ فقد كان يحرص على أن يكون مسجدُه عريشًا كعريش أخيه موسى عليهما السلام حينما خاطبه الأنصارُ وقد جمعوا الأموال ، فقالوا : يا رسولَ الله ابنِ هذا المسجدَ وزينه ، فإلى متى نصلي تحت هذا الجريد . ولعل ما يلفت الانتباهَ ويسترعي النظرَ أن تلك اللجان تتوقف عن الحماس والاندفاع في النشاط الخيري حين الانتهاء من البناء إلَّا من نشاط متقطع لجمع ما يكفي لشراء وقود للتدفئة أو بعض من الكماليات التي لا يضُرُّ المصلينَ عدمُ توافرها ، وفي عملهم خيرٌ لهم وللناس ، وهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانُ ، ولعل هذه الكثرةَ الكاثرةَ من المساجد ألغت ما كان يسمى بالجامع الذي يجتمع فيه أهل القرية أو المدينة في كل الصلاوات ، ولعل ذلك قد أرهق وزارة الأوقاف في تأمين أئمة يتقنون أحكام التجويد في قراءتهم ، وأثر كذلك في مستوى القراءة الصحيحة للقرآن ، وعلى الرغم من ذلك فهذه مسؤولية وزارة الأوقاف في ضبط التخطيط واختيار الأماكن المناسبة لإقامة بيوت الله وتأمينها بأئمة يمتلكون قدرًا من الفقه وأصول الدين والتلاوة المحكمة ، فليس وظيفةُ الإمام طقوسًا صوتيةً حركية جامدة، بل هو مؤثر إنْ أرادَ في تبيين الحق والتكافل والإخاء ونشر وسطية الدين وأخلاقه الحميدة .
ما أرمي إليه في هذا المقال هو دعوةٌ لتلك اللجان لاستكمال جهدها في أعمال خيرية أخرى ، كبناء المدارس أو صيانة مرافقها أو استحداث تدفئة مركزية فيها ، أو توفير أجهزة طبية في المراكز أو المستشفيات القريبة ، أو مساعدة الأسر الفقيرة بتوفير مصادر رزق دائمة ، أو إنشاء دور حضانة لأبناء الفقراء أو مساعدة الطلبة الأيتام في المدارس أو طلبة الجامعات ، فمصارفُ الخير والعطاء كثيرة لا نظن أنها أقلُّ أجرًا وصلاحًا ، خاصة أن تكلفة بعض المساجد المزينة المزخرفة من المال أضعاف ما قد ينفق لبناء روضة أو مدرسة في قرية نائية ، وما على المحسنين من سبيل ، وليكنْ تفاخرا يُكَرَّمُ عليه مَنْ أنفقَ وأحسنَ ، ولماذا لا يُبْـنَى مسجدٌ وإلى جانبه تُشَيَّدُ مدرسةٌ ، وبإمكان تلك اللجان أن تستمر في تنشيط الأحياء أو القرى التي تسكنها ثقافيا وفكريا من خلال رصد جوائز مالية قيِّمة من تلك التبرعات للمسابقات الدينية والثقافية والعلمية كحفظ القرآن الكريم والاختراعات البسيطة والخطابة والخط وكتابة القصص والشعر وغيرها لجعل المسجد مركزا دعويا ثقافيا وسطيا ؛ فالجهل في الدين كالغلوِّ فيه ، ولمَ لا تعملُ وزارة الأوقاف حينما تمنح تلك اللجانَ قراراتِها بالموافقة على عملها شريطة أن يكونَ جزءٌ من تلك التبرعات لأعمالٍ خيرية كالتي ذُكِرَتْ من قبلُ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى