مُدراء و لكن / ريم ابو احميد

مُدراء و لكن

يكاد المتفحص لحال شبابنا في مؤسسات عملهم المختلفة يصاب بدوار مصاحب لألام شديدة في الأمعاء ، فنحن للاسف الشديد نعاني من متلازمة المدير المتغطرس ، نعم هو ذلك ، متلازمة الغطرسة ادخلها الطبيب اللورد دايفيد اوين في سلسلة أمراض الاضطرابات النفسية ، فهو طبيب نفسي و عمل لاحقا في السياسة في بريطانيا ، و تتلخص اعراض المتلازمة في أنه المريض بها يشعر أن له الأولوية في اتخاذ القرار لتضخيم صورته الذاتية و الثقة المبالغ فيها بالذات وأنه وحده الكبير الذي يعرف كل شئ ويتصرف وحده في كل شئ وقطيع من المرؤوسين يسمعون ويطيعون ، ويعتبر أن حق مساءلته هي فقط من اختصاص الله وحده جلّ و علا، و يرى في نفسه أنه هو المؤسسة و هو فقط من يحدد مصلحتها.
للاسف المتطلع لهذه الاعراض يجد انها لا تخلو من جُلّ مدراء المرحلة و فعلا نحن في أزمة بشكل أو بآخر ، و هنا يأت قتل طموح الشباب و استمرار تطورهم . فعلى الرغم من أنه من واجب المؤسسة المحترمة تقديم برامج تطويرية وتدريب وتعليم مستمر لموظفيها إلّا انّه على ارض الواقع ما زالت هذه المنظومة في مؤسساتنا لا تخرج من قمقم التنظير و البرامج المكتوبة بعناية و مزركشة في مكاتب مخصصة تحت عنوان « وحدة التطوير و التدريب » ، ف هنا يتحمل الشباب مسؤولية تطوير ذاتهم بنفسهم ، ف ترى الطموحين لا ينفكون يطرقون الابواب المغلقة و يواجهون بصدورهم العارية منظومات التفشيل المستمرة من قِبل من هم أعلى منهم سلطة ، و هنا تتجلى سطوة السلطة في مدراء المرحلة ، و يتفنون في تبجيل مصلحة العمل والمؤسسة وكأن العمل اذا تغيب الموظف او غادر لايام فيه سيتوقف و ستنهار المؤسسة و تغلق ابوابها !! هو يعطي لنفسه صلاحية لا يمتلكها ، فالموظف لديه رصيد اجازات و مغادرات له حرية صرفها كيفما يشاء ، و أيضا والاهم أن هذا النوع من الموظفين سيكونون أحرص ما يكون على القيام بواجبهم تجاه عملهم، و بالتالي التعاون معهم سيجعلهم متفانين أكثر في عملهم ، ومن منطق آخر أي مصلحة عمل تلك التي تقف شامخة أمام تطور موظفيها ! و هل يعقل أن تتطور المؤسسة ذاتها دون تطور الموظفين نفسهم !؟ ، تلك النظرة القصيرة تندرج تحت أكثر من هدف يغوص في اعماق المدراء بعلمهم او بدون ، فربما هذا الموظف في يوم ما سيكون منافساً!! ، و ربما لتبجيل سطوة الذات و اعطاء النفس شهوة السلطة على الاخرين بدافع مُغطى بعناية فائقة بمصلحة العمل!! ، للاسف الشديد هناك بعض منهم لا ينكفئ يتغنى بكل المجالس بضرورة التطوير و التدريب و التعلّم !! ، علينا أن ندرك بشكل أو بآخر هذا الواقع المرير ، و على كل صاحب سلطة أن يعيد النظر في مفهوم الادارة لديه و في مفهوم مصلحة العمل ، علينا أن نقتنع أننا نمارس سطوة المدير لا حنكة القائد ، و أننا في 95% من مؤسساتنا ان لم تكن أكثر لسنا سوى ادوات اهواء ذاتية، والقوانين اكثر مراوغة و مطاطة بشكل يجعل من مرونتها تتناسب و الاهواء مهما اختلف الواقع، و أن جميع منظومات التنمية البشرية و برامج التطوير الذاتية والمؤسسية ليست سوى محاولات ما زالت تحتاج للكثير من الزمن لتنفيذها في مجتمعات تعيش في كل مراحل حياتها تحت منظومة الاستبداد .
هذا غيض من فيض مما رأيته مع زملاء لي في اماكن عمل مختلفة و ما وصلني من آخرين خلال تجربتي البسيطة في العمل على عقد العديد من الدورات في تخصصنا و كيف يواجه الموظفين مدرائهم و مواقع عملهم و ما يدفعونه من ثمن لأجل تحقيق طموحهم .
و أخيراً و ليس آخراً ، لا تؤخذ المطالب بالتمنّي و لكن تؤخذ الدنيا غلابا.

جامعة البلقاء التطبيقية – رئيس جمعية المختبرات و التحاليل الطبية* .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى