خيبة ونُص / هبة إميل العكشة

خيبة ونُص
يسأل المذيع الفنانة سيرين عبد النور “ما كانت توو متش على رمضان؟” أي المشاهد الجريئة بينها وبين تيم حسن، ترد سيرين بسؤال آخر و”الألكوهول”،أي المشروبات الروحية، على رمضان مش توو متش (…)؟ بالآخر المسلسل برمضان وبرة رمضان مراية للمجتمع، هوه بيحكي عن شخصيات موجودة بالمجتمع، مش ضروري الناس تتبناها بس هيه موجودة”.

في مسلسل “الهيبة” هذا الموسم يعيش تيم حسن (جبل) مع جارته سيرين (نور) علاقة غير شرعية، ومع أن هذا يجب أن يكون الحبكة في المسلسلات العربية كما نتوقع، إلا أنه أصبح الآن حدثاً عادياً. وبالحديث عن “الألكوهول”، فقد أصبح كأس النبيذ اوالويسكي “مثل شرب المية” في كثير من المسلسلات، خاصة في مشاهد الغضب، وكأن الويسكي سينهي جميع المشاكل. لقد كان الكحول في الدراما منذ زمن رفيق الشخصية الشريرة. أما اليوم فقد أصبح جزءاً أساسياً من الحياة العادية خاصة حياة “عِلْيَة القَوم”. ومن شاهدَ حلقة واحدة من مسلسل “خمسة ونص”، سيرى كأس الويسكي ملتصقاً بيد قصى خولي في أغلب المشاهد، وفي اليد الآخرى السيجار. وبالمناسبة، أنا لست هنا لأصدار الأحكام على أي أحد، كلّ منا لديه حرية الاختيار، لكن في نفس الوقت لست مع الترويج لهذه العادات، خصوصاً أن فئة كبيرة من المشاهدين هم من المراهقين والشباب، الذين ينظرون إلى أبطال المسلسل كقدوة في بعض الأحيان.

ننتقل الآن إلى الخيانة، المادة المفضلة لدى صُنّاع الدراما مؤخراً. فمسلسل “زي الشمس” المأخوذ عن المسلسل الإيطالي “سوريللي”، ومسلسل “خمسة ونص”، وأغلب مسلسلات نادين نجيم في المواسم الرمضانية الماضية، تتمحور حول الخيانة الزوجية. وتحافظ الخيانة الزوجية على وجودها كقصة ثانوية يتم فيها “تبهير” أي مسلسل تقريباً.

“social normalization” أو “التطبيع الاجتماعي” السلبي، قد يكون أحد التفسيرات لما يحدث في الدراما العربية مؤخراً. والتطبيع الاجتماعي ببساطة هو جعل ما هو غير مقبول مقبولاً. إذن، مع مرور الزمن، وبعد موسم رمضاني آخر أو اثنين، قد نرى العلاقات غير الشرعية، والكحول، والتدخين المفرط، والخيانة، أشياء عادية. وتصبح قصة الحب النقية هي النادرة، والشخص الذي لا يدخّن ولا يسكَر هو الشخص الشاذ عن المجتمع، وتغدو رؤية المشاهد الغرامية الجريئة شيئاً غير خادش للحياء.

أحياناً أٌعيد مشاهدة بعض المسلسلات الأردنية والعربية القديمة، التي كانت تُبرز القيم العريقة للمجتمع، وتعرِض مشكلات المجتمع بهدف علاجها. أذكر في إحدى حلقات مسلسل “حارة أبو عواد”، يدخل أبو عواد على غرفة الجلوس حيث كانت ابنته نجاح تتحدث بالهاتف، وعندما أنهت حديثها سألها “مع مين كنتي تحكي يابا يا نجاح؟” …تجيب “مع جارنا فواز يابا” … يرد أبو عواد بانفعال “فواز جارنا العزابي!!!” … وشتّان بين فواز وجبل، وبين نجاح ونور. بالمناسبة، نجاح ما زالت موجودة في مجتمعنا، وأبو عواد كذلك، ربما بدرجة تحفّظ أقل، لكنهما موجودان. ربما هناك انحدارٌ في القيم، لكن أنا متأكدة من أن القيم الجيدة ما زالت موجودة أيضاً في المجتمع العربي. يبقى السؤال هو لماذا يتمّ التركيز على السيء والترويج له ؟ إذا كانت الدراما مرآة المجتمع، فلماذا لا نوثّق القيم الجميلة ؟ وإذا كان المجتمع سيئاً، أليس للدراما قدرة أيضاً على توجيهه وإصلاحه، وبذلك نقوم بعملية تطبيع اجتماعية إيجابية؟

يقول أحمد شوقي: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم … فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا
لست من مُناصري نظرية المؤامرة، لكني أعتقد أحياناً أن هناك خطة ممنهجة لتدمير آخر ما تبقى لدينا من أخلاق ومبادىء، فأوطاننا بِيعت، وأحلامنا قُتِلت، وتعليمنا في انحدار، وإن كان هناك من شيء نفاخر به أمام شعوب العالم فهو ما تبقى لدينا من قيم، واحترامنا للعائلة وتماسكها، لكونها شراكة مقدسة يباركها الله. إذا خسرنا ذلك، فخيبة ونُص علينا وعلى الأجيال القادمة.

hebaakasheh07@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى