ثقافة الإقصاء الاجتماعي أو التهميش

ثقافة الإقصاء الاجتماعي أو التهميش
Culture of social exclusion or marginalization
د. مجد خليل قبالين
تُعتبر ثقافة الاقصاء الاجتماعي او إلغاء الآخر من اكثر الآفات فتكاً بالبشرية وتدميراً لها ، وتُعتبر إحدى اهم اسباب خلخلة شبكة العلاقات الاجتماعية والتعايُش السلمي والتكيُف الاجتماعي داخل المُجتمع الذي يغلب عليه طابع التعدُدية ، ويتسم بوجود ثقافات فرعية مُتعددة سواءً على اساس الدين ( مسلم ، مسيحي ، يهودي ……. ، ام على اساس مكان السكن (ريف ، بادية ، قرية ، مدينة) ، ام على اساس لون البشرة (اسود ، ابيض) ، وصاحب العقلية الإقصائية يحاول جاهداً التقليل من شأن المُقابل ورفضه تماماً لمُجرد عدم تشابهه في جانب من جوانب شخصيته او كلها ، وعدم اعتناقه وايمانه بنفس ما يؤمن به المقابل.
وترجع جذور العقلية الإقصائية الى اساليب التربية من جهة ، وطبيعة الحياة التي كان يعشيها العرب قديماً والتي تقوم ولا زالت تقوم على فكرة الصراع والغاء المقابل وسحقه ، نتيجة للبيئة الصحراوية القاسية التي كان يعيشها العرب قديماً.
وتُعتبر العقلية الاقصائية مُناقضة ومُهدِدة لطبيعة الحياة التعدُدية ، فمن ناحية فردية فإن كل فرد يعتبر نفسه على صواب ، وهذا ليس عيباً طالما لم يصاحبه محاولات تهميش للمُقابل والغاءه ، وعدم الاعتراف بوجوده من الأساس ، ويُمارَس الاقصاء والتهميش للمقابل دون وجود رادع ديني او حتى اخلاقي لدى صاحب تلك العقلية الإقصائية ، وقد يصل الأمر الى اتهام المُقابِل بما ليس فيه مُطلقاً وتخوينه.
ويمكن وصف الانسان الإقصائي بأنه انسان أُحادي التفكير, ينظر للعالم من حوله بمنظور إما اسود او ابيض ، ومؤمن بصدقه المُطلق دائماً ، وبمصداقية مواقفه حتى لو كان يعتريها شيئاً من الخطأ ، وشعاره ÷ما ان تكون معي او انت ضدي ، ويُمارس كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية لتهميش المُقابل وسحقه والغاء وجوده تماماً ، وتكمُن خطورة وجود هذه العقلية بعدم ايمانها بمبدأ الاعتراف بمن هم مختلفون عنها دينياً ، أو مذهبياً ، او ثقافياً ، او عرقياً ، اضافة لذلك إمكانية ان تؤدي الى التطرُف والإرهاب ضد المُقابِل المُختلف عنها واردة وبقوة كبيرة جداً ، ومُكافحة هذه المشكلة تبدأ من اساليب التربية والتنشئة الوالدية المُتبعة من قبل الأهل مع الأبناء من خلال غرس في نفوس الأبناء مبدأ حُرية الاختيار ووجود اشخاص مختلفون عنهم وقبولهم لمن يختلفون عنهم وليس فقط قبولهم امن يتشابهون معهم ، وكل ذلك يتطلب بالدرجة الاولى ان يتصالح الفرد مع نفسه ومع من حوله ، إضافةً لتعزيز دور المدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية في الحد من وجود العقلية الاقصائية واستبدالها بالعقلية المرنة التي تتقبل من هم يختلفون عنها بغض النظر عن هذا الاختلاف ، وتعزيز فكرة ان الاختلاف وتعدُد وجهات النظر لا يُعتبر إهانة لاحداً ما ، ويُحقِق التكامُل والإنسجام داخل المُجتمع وليس الشذوذ ، ولو اردنا استعراض العديد من الاعمال الارهابية التي مورست عبر التاريخ لوجدنا ان جذورها ودوافعها الرئيسية تكمُن في رفض المُقابل المُختلِف والتعنُت والتشدُد بوجهات النظر، ومحاولة فرضها بطرق غير شرعية تتسم بالعُنف والتطرُف والإرهاب.

دكتوراه علم الاجتماع / علم الجريمة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى