#القمة_العربية.. من ينتصر؟ / د. #منذر_الحوارات
خلال التسعة أشهر الماضية قدر لكل منا متابعة التحركات الأوروبية حيال ما خلفته الحرب الروسية على أوكرانيا ففي كل يوم نسمع عن لقاء أو قمة أو منتدى في حلقة لا تتوقف من الأفعال ونسمع أيضا عن حجم الخلافات وعن المحاور المتشكلة ومستوى غضب كل طرف من أي طرف آخر كل هذا يحدث في العلن وأمام عدسات التلفزيونات ووسائل الإعلام لا يوجد ما يمكن إخفاؤه من مشاكل وأزمات وهي كثيرة ومتعددة نسمع مثلاً عن خلاف بين فرنسا وألمانيا والنرويج لوضع سقف لأسعار الغاز وأن الأطراف ستجتمع خلال الأيام القادمة لمناقشة سبل تقريب وجهات النظر تصوروا إلى هذا الحد وصل بهم الأمر أن يناقشوا أسعار الغاز أما على الصعيد الشعبي فالجميع هناك ينتظر ويصغي بتمعن لما ستفضي إليه هذه الاجتماعات طبعاً ولما لا فهذه القمة ليست سوى اجتماع لخُدام الشعوب.
على الشاطئ الآخر من المتوسط في الجزائر تحديدا يُنتظر أن تعقد قمة لأسياد الشعوب كان من المقرر أن تلتئم قبل ثلاث سنوات وأجلت بسبب الجائحة لمرات عديدة فالتقنية ما تزال محبوسة بسد منيع عن أسياد العرب وقادتهم رغم أن الكثير من هؤلاء الزعماء عقدوا قمما ومنتديات عديدة عبر الوسائل الافتراضية لكن في الحالة العربية تبدوا الأمور أقل إلحاحاً رغم ان المنطقة العربية تغرق منذ عقود في أزمات لا حلّ لها في مقدمتها القضية الفلسطينية وهي العابرة لكل القمم والتي جففت حبر الأقلام لكثرة ما كُتب فيها من قرارات وتوصيات ومع ذلك ما يزال المواطن الفلسطيني أسيراً لسجن محتليه، ولا ننسى قضايا عقد الربيع العربي مثل الأزمات، السورية والليبية واليمنية والعراقية واللبنانية والتونسية، الأزمة المغربية الجزائرية ومأزق العلاقات مع إيران ولا أنسى الأزمات الحياتية مثل الصحة والتعليم والفقر واليأس والهجرة غير الشرعية وغير ذلك الكثير ومع كل هذه الاحتقانات والأزمات التي لا تجد حلا لها.
ومع كل تلك المشاكل والأزمات إلا أنني لم اسمع يوماً ان مواطناً في أي دولة عربية قرر انتظار نتائج هذه القمم أو تأمل منها أي حل فما بالك إذا كانت الدول العربية منقسمة في آرائها حول جميع القضايا المطروحة وربما ساهم بعض الدول في صنع الكثير منها بالذات بعد أن تغيرت معادلة القوة والتأثير في الساحة العربية، وبالتالي داخل مؤسسة الجامعة العربية فتراجع دور بعض الدول التي كانت محورية ذات يوم وحلت محلها قوى أخرى أصبحت تدير بوصلة الجامعة العربية هذا الواقع أدخل الجامعة العربية ودولها في مرحلة انتقالية يمكن أن نطلق عليها حرب الجميع ضد الجميع فكل الأطراف تتربص ببعضها البعض وتنتظر ان تحين اللحظة لقطف ثمار عملها والضحية من دون شك هي طموحات المواطنين العرب.
ربما تطمح الجزائر بأن تكون قمتها مختلفة وهذا الطموح تداولته كل الدول التي عقدت فيها قمة عربية وهو أمر مشروع لكن لابد من تعريف مفهوم الاختلاف فهل ينطبق هذا الوصف على عدد الحضور أو نوعية القرارات أو مستوى تنفيذها ومتابعتها وانعكاسها على حياة الشعوب العربية، الواقع يشير إلى أن القضايا التي طرحت سابقاً تتداخل فيها أجندات دولية وإقليمية لا يستطيع العرب حتى الاقتراب منها لذلك لا اعتقد ان حلا ما سيطالها، أما بالنسبة للقضايا التي تمس حياة الناس بشكل مباشر فهذه بحاجة إلى حكومات مختارة شعبياً تخشى من ناخبيها وبالتالي حتى هذه خارج نطاق تأثير القمة، أما القضية الثالثة وهي نوعية الحضور ومستواه وعدده فهذا هو المعيار الرئيسي الذي تعودناه في السابق وتبعاً للموقف العربي وحجم الانقسامات فإنه من المتوقع أن يكون الحضور انعكاساً لتلك الانقسامات من حيث العدد والنوعية.
لذلك ورغم النية الجزائرية التي لا أشك في أنها صادقة في عقد قمة تلم الشمل العربي إلا أنه على ما يبدو أن حجم الخلافات والاستعصاءات أكبر بكثير من الطموح الجزائري لذلك من المرجح أن الخلافات العربية المتأصلة ستكون أقوى من أي رغبة لأي دولة عربية في لم الشمل، ومرة أخرى تنتصر هذه الخلافات على ما عداها من طموحات.
الغد