القضاء المستقل والمحايد

القضاء المستقل والمحايد …. أداة لإرساء دولة القانون والسلم الإجتماعي في الدولة
المحامي الدكتورحازم سليمان التوبات

يُعد إستقلال القضاء حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي حُر وهو ضمانه مهمة من الضمانات الأساسية لحقوق المواطنين, فالقضاء المستقل هو الوسيلة المتاحة التي يلجأ إليها الأفراد لحل منازعاتهم والحصول عى حقوقهم , فتتعزز ثقتهم بالقضاء ويتولد لديهم الشعور بالأمان والطمأنينة لوجود جهة مستقلة قادرة على حمايتهم من أي تعدي على حقوقهم سواء من الحكومة أم من المؤسسات والأفراد. من جانب اخر فإن إستقلال القضاء يشكل أحد المقومات الضرورية لقيام دولة القانون, وهو المحور الذي ترتكز عليه بقية المقومات , فلا قيمة للدستور ولا لمبدأ الفصل بين السلطات ولا لضمان الحقوق والحريات إلا بوجود قضاء مستقل .
كما أن إستقلال القضاء مؤشراً على تحضر الأمة وتقدمها وتطورها , حيث أن الدول المتطورة أكثر حرصاً على إستقلال القضاء من غيرها. وفي هذا المقام نستذكر ما قاله ونستون تشرشل ابان الحرب العالمية الثانية عندما هاجمت مئات الطائرات الألمانية المدن البريطانية بعشرات الآلاف من أطنان القنابل والحقت بها دمارا جسيما , فعندما ابلغوا تشرتشل بحجم الدمار الذي حصل سأل مبلغيه : ماوضع القضاء والتعليم ؟ فقالوا له: مازال القضاء والتعليم بخير فقال لهم: إذا البلد بخير فلا تخافوا.
ويعني مبدأ إستقلال القضاء تحرر السلطة القضائية من أي تدخل من جانب السلطة التنفيذية, فطبيعة العمل القضائي تتطلب أن تتمتع السلطة التي تمارسه بالإستقلال والحياد وأن يكون عملها خالصاً لإقرار الحق والعدل ,فاستقلال القضاء هو أساس العدل.
كما ويعني كذلك إستقلال القاضي كفرد وحريته في نظر الدعوى والفصل فيها دون تحيز أو خضوع لأية ضغوط أو إغراءات مهما كان مصدرها , وعدم إنصياعه لأي سلطان سوى سلطان القانون, ومن مظاهر حيادية القاضي واستقلاليته تطبيقه للقانون واجراءات التقاضي ولسلطته التقديرية التي منحها اياه القانون بحسن نيه وبهدف اظهار الحق وتكريس العدالة دون ان يتعسف في استعمال هذه السلطة أو يستعمها كوسيلة للانتقام. ذلك أن قرارات القضاء في هذه الحالة ستكون بلا شك مجافية للعدالة وتخدم الجهة التي يخضع لها , ونكون بذلك أمام دولة بوليسية تستطيع في ظلها أي سلطة في الدولة الإعتداء علي الحقوق والحريات دون أن يكون هناك أي قوة تمنعها أو توقفها عند حدها, مما يولد لدى الافراد الشعور بالظلم ويفقدوا ثقتهم بالقضاء فيخرج القضاء بالتالي من دائرة الضامن للحقوق والحريات الى دائرة الخصم في المنازعة مما يؤدي الى لجوء اطراف النزاع الى تحصيل حقوقهم بطرق اخرى غير طريق القضاء وما يترنب عليه من الإخلال بالأمن العام. وبالتالي يصبح القاضي وسيلة من وسائل تقويض سيادة القانون والسلم الاجتماعي في الدولة وتغليب مفهوم قانون القوة على قوة القانون , وينتقل بالتالي بالدولة من دائرة الدولة القانونية الى دائرة شريعة الغاب.
ومن هنا ندرك أهمية حديث الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال ( القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة: قاض عرف الحق فقضى به، فهو في الجنة، وقاض عرف الحق فلم يقض به وجار بالحكم فهو في النار , وقاض لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار ).

وفي الختام نستذكر هذه الابيات الشعرية للامام الشوكاني
إذا جار الأمير وحاجباه *** وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي الســمــاء
وإن كان الوداد لذي وداد *** يزحــــزحـه عن الحق الجلاء
فلا أبقــاه رب العرش يوماً *** كــحـــلـــة بميل من عماء

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى