أنا عندي حنين

مقال الاثنين 1-8-2016
أنا عندي حنين
يبتسم ويحيّي شرطي الجوازات الذي يختم مرور مئات الزائرين في اليوم ، الشرطي يعتبر عمله روتيناً مملاً فغالباً ما يردّ بأقل عبارات ممكنة ، الا أن المغترب يراه شيّقاً وشقيقاً فينتبه لأي حرف يخرج من فمه خلف “فترينة الزجاج” ..يحمل المغترب أوراقه وحقائبه وينطلق ، يشكك بنوايا المُرحّبين وعارضي الخدمات الواقفين على جانبي طريق العربة ، خارج البوابة الكهربائية يعرف أن ثمة تسعيرة موحدة لتكسي المطار فيطمئن قليلاً ، يحاول أن يبني صداقة مع السائق ويبدي دماثة مضاعفة ..يحاول أن يتعرّف عليه بالاسم وأن يتحقق من اسم العشيرة..لتبدأ قصة “شو بيجي لك فلان”؟!..طوال الطريق والسائق لا يتوقف عن الكلام ، يحاول المغترب أن يسترق النظر إلى الجديد في البلد ، إلى لوحات الإعلانات..أرزّ بسمتي..شركات الاتصالات..عروض الجامعات الخاصة…الأردن ينتخب…هو يتنفس هذه التفاصيل من شباك السيارة الجانبية ويتمتم بصوت لا احد يسمعه: “الله يحمي هالبلد”…
**
تموز جميل ، فيه أضواء المطاعم الرابضة فوق التلال العمانية ، فيه صوت الصحون التي ترفع من على الطاولات الممتدة آخر الليل ، وفيه طقطقات ملقط الفحم في يد العامل المصري، فيه رائحة الدرّاق التي تعطر سيارة ” الافانتي” على طريق جرش ، فيه أطفال سمر يقفون خلف صناديق الفراولة ، يؤشرون لكل المارّين على طريق مادبا، يطمعون قليلاً بالسيارات الحديثة و”النمر الخليجية” لكنه طمع بريء “نصف دينار” زيادة لا يعوض سمرة الخدين من حرارة الشمس..في تموز هناك قطوف عنب ينحني المغترب تحتها كلما أراد المرور الى “بيت الحجة” ، هناك ماء “البير” الذي يغلي تمهيداً لكوبين من الشاي..هناك كلام عن هناك..وهناك كلام عن هنا..في الليل ضحكات صادقة مجلجلة ، وشوق مطوي تحت شفة الابتسام ..هناك سهرات تحاول أن تُطيل عمرها بأي حجة كي لا تنتهي..لحظة!!! “القهوة ع النار”، شو رايك “دكّ نسكافية”؟؟ دقيقة “جيبوا لنا شمام”!!…ستبدأ مباراة بعد قليل دعونا نحضرها!!ا…في تموز يسترق الشجر الحكايا ، يختزلها ،يحفظها، يرقص لجمالها، ثم يبوح بها زهراً فثمراً ..نقطفه ونتغنّى بحلاوته…انها حكايانا..انها ضحكاتنا العالية ، في تموز هو أعاد إنتاجها ليس إلا..
***
في تموز انا عندي حنين ، لكل المغتربين الذين يحاولون أن يُسعدونا ليسعدوا ، يحدّقون في ملامحنا لحظة الشرود وكأنهم يخبزون ذاكرتهم على وهج عيوننا، هم يستعيدون أيامهم بنا ، نحن ماضيهم ، نحن رائحة المكان ولون الزمان و”غبرة” الحواري ورائحة الأمهات هكذا يقرأوننا…في تموّز أتمنى لو أنّي أطوي الليل وأضعه على طاولة خياط الزمن ليطيله قليلاً، ليصنع له جيوبا من حكايات وزناراً من ياسمين…في تمّوز أصبح مثل عجوز طاعنة في أمومتها وفي وحدتها ..تفرح كلما هزّ الريح بابها أو أسقط القط كوب ماء من على الخابية… فقط لتطمئن ان ما زال في الحياة حياة..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. في تموز ينضج الحنين … نرتشف نبيذ الشوق تحت دالية تساهر أرق العاشقين …تموز معطاء في منحنا أمل عودة الغائبين …
    يعودون واذا بنا نحن من غاب واغترب !

  2. يخبئون حكاياهم بين أوراق العريشة .. حتى اذا ما تساقطت الأوراق تسكن في ثنايا البراعم .. لتتفتح في ربيع قادم اوراقا جديدة .. واغصانا جديدة .. وعناقيد جديدة .. حتى اذا ما حلّ تموز جديد يقطفونها سكرا ورزقا حسنا .. وحكايا من معقود العنب .
    هؤلاء هم من يعودون بالحنين … ويسافرون بالحنين .. ويعيشون غربتهم حنينا الى حين لقاء
    هؤلاء هم من يشتاقون الى العريشة في الشتاء .. وقد خلعت عنها اوراقها وتركت انفاسهم مخبأة راقدة الى حين لقاء
    هؤلاء من يفرشون اشواقهم تحتها … ويحملونها معهم اذا عزّ اللقاء .. الى حين لقاء

  3. ومع ذلك بنقول بدنا سياره معفيه من الجمارك بقولولك عظامك ذهب ولاحقنا هون ولكو افهمو انااااااااردنيييييييييييييييييييييييييييييييييييي مش مغترب ولا وافد

  4. و الله انك ذبحتني يا استاذ احمد بوصفك الرائع ، الله ينظف هذي البلد من الحرامية بس

  5. لانه طيارتي اليوم اجت هالمقالة عالوجع!!! اكثر من رائع الاستاذ احمد…

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى