حالة الوطن….المواطن المهدود

#حالة_الوطن…. #المواطن_المهدود

#بسام_الياسين

ورث صديقي #الفقر عن جده الثالث عشر.فمنذ ان تفتحت عيناه على الحياة،و هو مثقل بالدين، من قمة راسه حتى اخمص قدميه. تراه اما شاكياً همه او نادباً حظه.ادمن التدخين مبكراً،فاصبح شرهاً،يشعل سيجارة من اخرى، ـ واحدة من اختها ـ،لدرجة ان صديقه اللصيق في العمل يحلف،ان المذكور لم يشترِ منذ ان عرفه قداحة.  إعتاد اشعال سيجارته الاولى من اي عابر سبيل،ثم يتحول الى ” مدخنة ” يؤذي بها من حوله .

لفرط تدخينه، يعاني من ربو مزمن،و سعال مستمر.فبعد كل نوبة،هنالك فاصل من نحنحة، لطرد مخزون البلغم من صدره .ما ان يهدأ صدره قليلا،حتى يبدأ بموال شتم الانجليز ـ اللازمة اليومية ـ، لانهم جلبوا التبغ من المستعمرات،ووزعوه على المُسْتَعمَرين من أشكالنا،ابتغاء الربح السريع، ثم ينتقل في بث حي و مباشر الى لعن اليهود ـ داء البشرية و اصل بلاء  كل داء ـ لانهم اخترعوا الكمبيالة.

مقالات ذات صلة

رغم تسفله اللفظي ضد اليهود،اعداء البشرية،هو معذور،لانه ما ان يُسدد كمبيالة الا ويوقع اخرى، وكأنها  قدره.فقد روت له امه،عن نكد ولادته،ومعاناة تربيته.فـ ” الداية” رفضت سحبه، عندما تعسرت “اطلالته الميمونة”،الا بعد ان وقع والده ” كمبيالة”، مستحقة الدفع اخر الشهر،لضمان حقها ،زاعمة ان والده ـ طول عمره على الحديدة ـ، و جوعان لا  يشبع الا في موسم غلال البندورة.

في هذه الظروف المعسرة،شب الطفل ناقماُ على مجتمعه.فحاول احدهم،استقطابه لحزب يساري، بحجة انه بروليتاري مسحوق،سيكون معارضاً شرساً،لكنه رفض الفكرة.كرر اليساري العتيق، المحاولة باغرائه،ان السلطة ستخرسه بكرسي وزاري كباقي اليساريين،حينذاك تنتهي مشكلاته المادية واحساسه بالدونية.رفض بشدة السلوك الانتهازي،خاصة انه يميل للتدين بالفطرة وتشده الروحانيات.اتجه للصوفية،ومارس اليوغا التأملية.اخيراً، وجد ضالته في جلال الدين الرومي وزهده.

اقتنع بان سلطة الروح وفيوضاتها هي الاعلى .وان القناعة باقل القليل هي الغنى فجنح للزهد،حيث الغنى توأم القلق والتبعية للمادة،وينتزع الحرية حين يصبح الغني عبداً لماله. ما عزز ذلك مشاهداته،ان طلاب ـ المال والمناصب والجاه ـ، شخصيات متشظية،متوترة ماكرة،مغلفة بغلالة ظاهرها لامعة، وباطنها سوداء خشنة. لا يغرّنك اشكالهم،هم مجرد فقاقيع تعج بالضجيج.وهو على يقين،ان التوازن،الرضا،الحكمة،السعادة في النفس المطمئنة الراضية.رغم قناعته المطلقة بافكاره،احس انه مسدود الافق، في وطن انهكته نخبة لا تخاف الله.وان فقرة لم يات صدفة.فالصدفة لا تاتي صدفة،لها قوانينها المحسوبة بدقة.ادرك انه يعيش متاهة فلسفية لا خروج منها،والهجرة ليست حلاً…فما الحل اذاً ؟!.

 تولدّت لديه عقدة نفسية استحواذية بعدها، تُعرف بـ ” الوسواس القهري”.سيطرت على عقله،لا يستطيع الافلات منها،تطارده كظله و تلازمه كفقره الموروثة بجيناته من اسلافه.الفكرة الملحاحة، لماذا لا يدفنه ذووه، واقفاً حين يحين اجله،بدل دفنه مبطوحاً على جنبه ؟!.اذ ان الدفن بطحاً، تكريس لحالة الانبطاح التي عاشها على امتداد عمره.فتكريم الميت،لا يكون بدلال القهوة،واطعام الطعام عن روحه ـ بالدين ـ، يتكبده ابناؤه من بعده،بل تكريمه بدفنه واقفا تحت الارض،ليسترد كرامته المفقودة فوقها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى