العَودةُ للمدارس ومَريُول الحُكومَة المُرَقّع

العَودةُ للمدارس ومَريُول الحُكومَة المُرَقّع
د. جودت سرسك

تَسودُ حالةٌ ضَبابيةٌ غائمة في صَيف عمّانَ الساخنِ لتخيّمَ على كُلّ بيتٍ تصدّعتْ جدرانُه في أزماتِ الكورونا الحكومية المتلاحقة ابتداءً من تحويل ملفِّ المعلّمين النقابي إلى قضيةٍ سياسية سياديّة أربكتْ المشهدَ العامّ وجعلتْ الغمامَ يَهلّ مطَراً أسودَ مغبرّاً.
تتصدّرُ المدارسُ الحكوميةُ المشهدَ العام وتصطفُّ في ظلّها المدارس الخاصة التي تحلم بسيناريو الدعم الحكومي لإنقاذ ما تبقّى من كرامة وضعها المالي المهدور.
تَتفتّقُ عِدةُ سيناريوهات تدور حولها مدارس التعليم الخاص لتعود للريادة وتعلو المشهدَ التعليمي مدارسُ الحكومة اليبابُ في بنائها وخططِها التعليمية وكشوفات علاماتِها التي ما تزال تُخَطّ بقلمٍ أحمرَ فارَتْ بعضُ فقاعاتِه على قميص معلّمِ النشاط المهنيّ أو مسؤولِ المخزن.
يتّسمُ السيناريو الأوّلُ بِانفراط ِعُرى التعليم الخاصِّ وإحجام الطبقة المغلوبِ على أمرِها التي تَقْطع مِن قُوتها لتنفق على التعليم الخاص كدَينٍ تسُدّه عن حكومات الضرائب والغمّازات التربوية التي لا تُجيد أبجدياتِ الدهلزة والضحِك على الذقون.

أمّا السيناريو الثاني فيتمحور حول الرجوع الكامل للتعليم وإنقاذ مابقي من التعليم الخاص والعام وإثبات نظرية هشاشة فيروس الكورونا ورداءة سيناريو الحَجْر والإسوارة اللازُردية وشاليهات البحر الميّت.
أمّا السيناريو الثالث فما يزال حبيسَ الأرفُفِ والتعليمات الخارجية ولا أحد يدري ما تستجدُّ به علوم المؤامرات الكونية واختَراعاتُ خفافيشِ الصين ولقاحاتُ بوتين ترامب الاستعمارية.
إنّ الطفل الذي يحلم بالعودةِ الآمنة للمدرسة والّلعِب في باحاتها والشخبطةِ على جدرانِها ،ويُعِدّ سيناريوهات لليوم الأول والثاني والثالث فيحلم بفطيرة زيت وزعتر أو قرصِ جميدٍ طَريٍّ أو بصندوق مليءٍ بالخضار المسلوقة والخبز المُحلّى بالنوتيلا ويملأ جيبيه بحبّاتِ بزر عبّاد الشمس ،ويرتدي فوق ظهرِه حقيبةَ فيرتكس الفارهة أو حقيبة أخيه الذي انتقل إلى صفٍّ أكبر ،هو نفسه ذلك الطفل الذي تُغرغِرُ عيناه صباحا ويُقدّم رجلا ويؤخِّر أخرى خوفاً من الأعداد المكتظة بآلاف الطلبة يتزاحمون على صنبور ماءٍ واحد أو اثنين ،وكلّ كادر المدرسة يهشّون عليهم كي يبتعدوا عمّا يَسدّ عطشهم،فتأخذهم ظهيرةً زحمة السائل المنحبسِ في مثانتهم فيهرعون إلى قضاء حاجتهم وسرعان ما يبوؤون بالاستفراغ مما اشتمتهم أنوفهم وزاغت مِعدُهم في بيت الخلاء الذي تحوم حوله الشياطين لينهوا دوامهم بتلطيش مدرّسيهم بالعَصيِّ والأكفّ الصاخبة.
إنّ كابوس التعليم عَبرَ اثني عشر عاما لا يليق بكرامة مواطن ولا يحفظ عزّة ذويه الذين يثقلهم تكاليف التعليم الخاص أو فاتورة الضياع في التعليم العام والمستقبل المشؤوم مابين مقعد تربية خاصة أو كلية آداب تنتهي بوظيفة معلّم عبر جداول المصطفين على ديوان الخدمة المدنية الطويل أو السفر لدول روسيا المفككة ليحظى بمقعد طبّ بتكاليف يسيرة وجهد علميٍ يَسيرٍ وقدرات عقلية متوسطة يقوى عليها من أعاد الثانوية في الأردن مرتين وثلاث مرّات،فيحظى بشهادة طبّ بشري مَحضٍ وزوجة فارعة الطول شقراءَ بلا مَهرٍ ولا جاهات ولا صالات ولا مناسف بالدّين مقابل جَرحٍ في قلب الأمّ لا تشفيه كلّ شهادات العَمّ بوتين.
في بَلدة الصريح يحدّثني استاذ جامعيّ يَصِف ضَعفَه في الانجليزية وأنه لم يكن يقدر على التمييز بين الإزِّ والآر وتصاريفها ،ومِن عَجيب القول أنه حظي بنجاح مميّز في زمان مناهج الأنثولوجي حيث كانت بلا مواضيع إنشاء واتّسمتْ الأسئلةُ بالخيار المتعدّد أو الإجابة بالدوائر الذي أتاح النجاح مؤخرا حتى لذوي بطء وصعوبات التعلّم في ظلّ حكومة مُرقّعٌ مريولها المدرسي.
فَهَل بعدَ هذا وذاك يا أميرَ التعليمِ وسُموّهُ نُطبّعُ مَع مَنْ يُرَقّعُ ثوبَ مدارسِنا وزِيّ تعليمِنا المدرسيّ.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى