ذلك هو الإنسان / أحمد المثاني

.. يُحكى في قديم الزمان .. أن ثمّة إنسان كان على وجه الأرض ، بدائيّاً ، يعيش في الغابات .. يأكل ممّا تنبت الأرض ، و يجري في منعرجات الأرض و هضابها .. و يعبر أنهارها و بحارها .. يرضى بالقليل ممّا يجنيه أو يصطاده من الحيوانات التي ساكنته الغابة .. كان ذلك الإنسان موغِلاً في بدائيته .. يسكن الكهوف و يلتقط الثمار و استطاع أن يستأنس الحيوانات و أن يدجّنها .. و يُروى أنّه إذا شبع .. قَنِع .. و ما كان يدّخر لأكثر من غده .. و كان منسجماً مع الطبيعة من حوله .. و قد اختطّ تحضّره رويداً رويداً ، كما تنضج الثمار في وقتها .. و يُحكى في هذا الزمان ، أنّ ثمّة إنسان قد استعمر الأرض .. شرقها و غربها .. و نفذ إلى أعماق محيطاتها و بحارها و استنزف ثرواتها .. شقّ طرقاتها .. و جبالها و بنى الجسور و مشى فوق الماء .. و اجتاز عنان الفضاء .. إنّه هذا الإنسان الموغل في المدنيّة ، و الحضارة .. لكنه ، استوحش و تمادى في الطمع و الجشع .. فلم يشبع و لم يقنع !! و برزت له أنياب ينهش فيها أخاه الإنسان .. لا بل طغت فرديته و غروره .. و تعصبه و ظلمه حتى استمرأ لحم بني جنسه .. فشنّ الحروب المهلكة .. و أباد شعوباً .. و دمّر أوطاناً .. و تفنّن بصناعة الموت .. و آلته ، أيها يقتل أكثر و أسرع .. هذا الإنسان الجالس على جبل من المعارف و العلوم و الكتب .. و الوارث لعصور من التقدّم و الحضارة .. أصبح اليوم يملك كل شيء ، و يستحوذ عليه .. إلا إنسانيته التي فقدها .. فصار له قلب من الصخر ، و عقل شيطاني . فأيهما الإنسان : ذاك البدائي .. ابن الغابة .. أم هذا ابن الحضارة الماديّة الخاوية ؟! – أحمد المثاني –

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى