العقل زينة

#العقل #زينة
د. هاشم غرايبه

من اكثر ما يتصف به العلمانيون التعالي، إذ يعتبرون أنفسهم متنورين ومتقدمين على غيرهم، ويتبنون فكرة سقيمة مفادها أن الإيمان بالغيبيات يعطل دور العقل ، فيحيلون سبب سبب حالة #الإنهزام والتبعية التي يعيشها #المسلمون حاليا المشكلة الى الدين، ويعتقدون أن ما نفع الأمم المتقدمة هو قلة دينها.
كل ذلك لا يعدو وهما، وقصورا ذاتيا في تحليل ودراسة الواقع، لذلك يحيلونه الى ما هو ليس مفهوما لديهم.
مشكلة هؤلاء أساسا هي في الإعتقاد بأن #العقل والدين متناقضان، ولا يعلمون أن الله ما ميز الإنسان بالعقل من دون كل الكائنات الحية، إلا ليعرفوه ويتقوه فتصلح معيشتهم.
لنتأمل في هذه الحادثة:
كان ثمة مجموعة من السياح يركبون الجمال في منطقة “وادي رم” يتأملون في بدائع ما نحتته الطبيعة في أشكال وألوان الجبال، والتي تكونت بفعل عوامل الحت والتعرية خلال آلاف السنين، فتكونت أشكال باهرة الجمال لكنها غير محكومة بنظام، فلا يشبه أي منها الآخر.
انتقلوا بعدها الى منطقة البتراء المنحوتة بالصخر، هنا كانت دهشتهم أعظم، فكانت الأشكال المنحوتة بخطوط منتظمة وبتكرار متشابه ودقيق.
تأثر السياح بما شاهدوه، وتحدثوا فيه، فكان هنالك إجماع تام بين آراء الجميع: منحوتات وادي #رم لأنها عشوائية إذاً نحتتها العوامل الطبيعية، فيما #البتراء المنتظمة الدقيقة من عمل بشر.
هكذا لاحظنا أن الحكم على أن الإنتظام والتناسق هو الدليل القاطع على وجود صانع متمكن قدير لهذه الآثار، قد جاء فقط من تحكيم العقل، ومن غير حاجة للسؤال من هم الذين نحتوا البتراء وكيف نحتوها، الأهم من كل ذلك أن عدم رؤية النحاتين ولا معرفة طبيعتهم ولا كيف نحتوها، لم تَحُلْ دون هذا الإستنتاج.
بالمقابل لم يُبدِ الجملُ أي اندهاشٍ في الحالتين، كان اهتمامه منصبا على تناول الطعام للحفاظ على حياته، وحمايتها بالحذر من الأخطار التي تهددها..هذا هو الفارق بين اهتمامات الإنسان واهتمامات الحيوان.
ولما كانت تلبية الإحتياجات الغريزية لا تحتاج الى تفكير، فليس الحيوان بحاجة الى عقل، لكن الإنسان بحاجة لذلك لحل مشكلاته ومشكلات الكائنات الأخرى، كما يستعمل التفكير في التحليل والتفسير والتطوير والإبتكار.
إذاً فهذا هو دور العقل، ولذلك أوجده الخالق، فهو للإستدلال به على وجوده من بديع صنعته وعظم قدرته، ومن غير حاجة لرؤيته.
لذلك أوجده بهذه الكيفية، مختلفا عن كل الحواس والملكات والقدرات البشرية، فالإبصار مرهون بوجود الضوء، والسمع بوجود وسط تنتقل فيه الموجات الصوتية، واللمس بالإتصال الحسي بالجلد ..الخ، أما التفكير فهو لا يحتاج لوسط ولا تحده حدود ولا حواجز ولا مسافات، وليس متوقفا على المحسوس والمدرك، بل هناك ما يتعدى الزمان والمكان والمعارف، كالخواطر والتأملات والتخيلات والرؤى،…كل ذلك أوجده الخالق في العقل لكي ينطلق خارج المحسوس، فيستوعب عقله كنه الخالق وقدراته اللامحدودة.
من هنا فالإيمان بوجود خالق هو مفتاح العلم، ومنه يلج العقل الى عوالم المعرفة اللانهائية.
لكن مشكلات الإنسان ليست في نقص المعارف، بقدر ما هي في الظلم، والظلم هو التعدي عما ليس من حقه، لذلك أراد الخالق من العقل معرفته، ومتى وصل الى ذلك وعرف صفاته المطلقة الكمال، وعرف أنه محيط به رضخ له وخشيه، فالتقوى هو المانع من الظلم.
في الوقت نفسه ظل البشر يبحثون عن العدالة والمساواة، ولما عجزوا بعث الله أنبياء ورسلا برسالات إصلاحية، وتشريعات ناظمة سماها الدين، والذي اكتمل بصورة مثالية في الرسالة الخاتمة، وجعل القرآن مرجعيته.
هكذا رأينا أنه لا تعارض بين العلم والدين، بل لا غنى للعالِم عن الدين، فهو الضابط من الإنحراف، فالعلم الغربي ليس كله لخير البشرية، فأغلبه جر عليها الويلات، فمن غيره طور القنابل العنقودية والفوسفورية وأم القنابل والطائرات القاذفة والصواريخ الباليستسة والغواصات والألغام!؟، ومن اخترع أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيماوية وبيولوجية..الخ، أليس كل أولئك علماء لا يؤمنون بالله واليوم الآخر؟.
بالمقابل فالعلماء في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية، لم يمنعهم علمهم الشرعي من الإبداع في كل ميادين العلوم التطبيقية، لكن أحدا منهم لم يفكر في تطوير الأسلحة، بل كرسوا علمهم لنفع البشر وليس لقتلهم.
نستنتج أن الإيمان بالغيبيات (الدين)، لا يحجر على العقل، بل يضبطه من الإنحراف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى