#العطش و #الأولويات_في_التخطيط
#عبد_الفتاح_طوقان
بصراحة ووعي يجب الا يفرح الأردن للقروض وخصوصا ان كانت مرهقة و بدون دراسات موثقة . و لعل مذكرة التفاهم الخامسة للتعاون التنموي مع الجانب الفرنسي بسقف تمويلي ٩١٢ مليون يورو الموقعة في شهر مارس ٢٠٢٣ من هذا المنطلق تحتاج الي مراجعة و الي مراجعة أولويات الأردن في التخطيط .
بعد ٤٦ مليون يورو من خلال قرض تنموي لتمويل مشروع كفاءة المياه والحد من الفاقد وإعادة تآهيل البنية التحتية تصب في مصلحة شركة مياهنا بالدرجة الأولي وسيدفع ثمنها المواطن الأردني في فاتوره مياهه المستخدمة وبعد شقيقتها التي سبقتها وهي اتفاقية فرنسية من خلال قرض ميسر لتمويل شركة مياهانا بقيمة ٤٥ مليون يورو في ٣١ ديسمبر ٢٠١٢ ( الوزير آنذاك كان جعفر حسان الذي وقع مع كورين بروزيه السفيرة الفرنسية في عمان ) أي من عشر سنوات لاستبدال عدادات المياه لمعالجة مشاكل التدفق المنخفض و تحسين كفاءة الشبكة و تقليل الفاقد، علي الأردن ان يدقق و يتوقف و يراجع و يقدم ما هو مقنع و مطلوب لا القبول بما هو مطروح و متوافر.
و اقصد هنا تم الحصول ولأكثر من ٢٠ عاما علي ما يقرب من ١٤٠ مليون دولار سنويا من فرنسا لقطاع المياه وذهبت هذه القروض بطريق غير مباشر لخدمة ٣٠٪ من الشركات الفرنسية تعمل بالأردن في قطاع المياه ، ولا زال الاردن مستمر في الاقتراض بلا أولويات ولازال الحديث عن الفاقد والمياه و السرقات بلا أي ناتج ملموس.
أي فاقد يتحدثون عنه ؟ و ما مقداره وما تكلفته ؟ ومن المسؤول عن الشبكات ؟ ، واذا كانت الحكومة هي المالك للشبكات كما هو معروف لماذا لاتقوم الحكومة الأردنية بتآجيرها لشركة المياه او احتساب جزأ من تكلفتها علي الشركة عوضا عن منحها إياها مجانا ؟ ثم الاقتراض لاصلاحها ؟ ما هو العقد بين شركة مياهنا و الحكومة فيما يتعلق باستخدام تلك الشبكات و بكم ؟ أعطونا الوثائق و انشروها و تداولوها مع النواب و المختصين. عندها يظهر الحق من الباطل ، و الصحيح من المكسور.
فرنسا تقدم القروض للاردن بقروض ميسره و تشكر علي ذلك و لكن اغلب قيمة القروض غير المدروسة محليا و دون مراعاة أولويات و احتياجات المملكة تعود الي الشركات الفرنسية عن طريق الدراسات والهندسة وإدارة المشاريع والبناء والتشغيل وتوريد المعدات من فرنسا !! ، أي انها تعطي باليمين مقابل فوائد بنكية وتأخذ باليسار أضعاف ما تقدمه عن طريق مشاريع وغيره تحال وتلزم للفرنسيين ، و مثلها لكثير من الدول التي تمنح الأردن قروضا و ليست فرنسا الوحيدة في هذه اللعبة التجارية .
لقد سبق أن كتبت عن الاستعمار الاقتصادي وتلك القروض التي تقدمها بريطانيا و أمريكا و فرنسا في بداية الثمانينات في مجلة المهندس الأردني التي كان يرأس تحريرها الزميل المرحوم المهندس عاصم غوشه و كنت عضوا معه بهيئة التحرير وكان وقتها الدين العام لا يتجاوز ٨ مليارات من الدولارات و ليس كما هو اليوم ، و حذرت و لا أزال احذر من تلك القروض.
الخطآء هنا ليس على الدولة المانحة للقرض التي تقوم بمقام التاجر الشاطر و لكن علي الحكومة المتعاقدة و خصوصا وزارة التخطيط حيث لا يجب ان نفرح للحصول علي قرض و يتصدر الأخبار وعناوين الصحف ، بقدر ما هو مهم استخدامات القرض وكيفية السداد و الفائدة المرجوة و العائد ة علي الأردن.
علينا ان نتسائل لماذا تتساهل تلك الدول في منح الأردن هذه القروض وماذا تمول وفترات السماح وأسعار الفائدة ، و الأهم هل الأردن لديه قدرة علي تحمل تلك القروض بسعرها المعوم او بنظام تثبيت سعر الفائدة عند السحب ؟ و اليس تلك الدول ترهق الأردن بعبء تلك القروض بانتقائية ما تقدمه لاستخدامات القروض؟
عموما اود الإشارة و الربط هنا بين ” العطش ” و ” الأولويات في قطاع المياه ” ، وأقصد العطش السياسي الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت ردا علي إعلان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عدم التوقيع علي اتفاقية لتبادل الطاقة بالمياه مع إسرائيل حيث صرح حسب وسائل اعلام عبرية :”اذا كان الأردن يريد ان يعطش سكانه، فهذا حقهم ” مشيرا الي ان حكومة د.بشر الخصاونة التي تضم الصفدي لخارجيتها هي من قامت بالترويج لهذه الاتفاقية مع إسرائيل.
الأفضل ان يتم تحويل بعض من هذه القروض الي مشروع محطة تحلية مياه في العقبة ( عوضا عن مشروع الارتهان إلي إسرائيل ) التي تحتاج مياه و حيث قد سبق لي العمل علي تصميم و إنشاء اكبر محطة تحلية مياه في جنوب الهند بطاقة ٤٠٠ مليون لتر مكعب يوميا و بتكلفة ٥٥٠ مليون دولار تشمل التشغيل ٢٠ عاما و الصيانة من السهل نقل التجربة الي الأردن أن كانت هناك جدية في التخطيط للمستقبل ورؤية لدى الحكومة حيث متر المياه لا يكلف ثلاثة دولارات كما كان في دراسة قدمت للمشروع مبنية علي ارقام مبالغ فيها لينتفع منها من لا نعرف من هو !!!.
وبحسبة بسيطة لو كل عام فرنسا تقوم بإعطاء قرض ١٤٠ مليون دولار مثلما هو حاصل خلال ٢٠ عاما مضت ، فان خلال ثلاث سنوات يكون الأردن حصل علي محطة تحلية مياه ٤٠٠ مليون لتر يومي مضافا له التشغيل لعشرين عاما ، و لكن للأسف الأردن لا يخطط بل يخطط له الإغراق من الخارج في ديون ليصبح مستعمرا ماليا و يسهل فرض التغيير عليه.
و حيث يبلغ الاستهلاك اليومي للمياه ٣ ملايين متر مكعب في الأردن للاستخدامات كافة أي تقريبا مليار و ٢٠٠ مليون متر مكعب سنويا ، فأنه وبوجود مثل تلك المحطة يؤمن ١٢،١ ٪ سنويا من الاحتياجات أي حوالي ١٤٦ مليون مترا مكعبا سنويا ، وهو مشروع بقدر أهمية الفاقد من المياه بسبب سؤ التشغيل، عدم دقة الحسابات الواصلة للمنازل وكميات المياه المسروقة التي لا يدفع ثمنها خصوصا السرقات التي تتم في مرحلة ضخ المياه من الابار والمسطحات المائية ونقلها بواسطة خطوط النقل الرئيسية الي خزانات التوزيع الكبيرة.
اقترح إعادة النظر في وزارة التخطيط وأولوياتها ومشاريعها والتنسيق مع وزارة المياه بطرق مختلفة حفاظا علي المال العام الذي ستتكفل به الأجيال القادمة سداد، ناهيك عن ضرور إعادة النظر في شرائح المياه و أسعارها و مناطق توزيعها ونوعية استخداماتها ووضع سارقي المياه في السجون اياً كانت مناصبهم او علاقاتهم .
هكذا لن يعطش الأردن كما قال بينيت ولن يظل الأردن حبيس الاستعمار الاقتصادي يدور في فلك الماء بلا نهاية .
Aftoukan@hotmail.com