ماذا قال #المشير_الجمسي في مذكراته عن #حرب_أكتوبر؟
#موسى_العدوان
تطلّ علينا يوم 6 أكتوبر الجاري ذكرى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. وبهذه المناسبة أرغب أن أذكّر القراء الكرام، بما قاله المشير عبد الغني الجمسي في مذكراته عن تلك الحرب العظيمة، والتي عَبَرَتْ خلالها القوات المصرية المسلحة، أكبر مانع عسكري في التاريخ. وتمكنت من تحطيم أسطورة ” الادعاء بالجيش الذي لا يقهر ” في خط بارليف الشهير، على الضفة الشرقية لقناة السويس.
يقول المشير عبد الغني الجمسي، والذي أشغل وظيفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973 ما يلي، وأقتبس :
” لكل حرب من هذه الحروب الثلاث ( السابقة ) ظروفها السياسية وأهدافها الاستراتيجية ونتائجها، في إطار صراع القوتين العظميين في الشرق الأوسط. إلاّ أن المقاربة بين قدرات الخصمين المتحاربين – العرب وإسرائيل – لا تعكس من الناحية العسكرية تلك الصورة، التي انتهت إليها هذه الجولات الثلاث. وكانت القوة العسكرية للطرفين المتحاربين هي العامل الحاسم، فيما وصلت إليه حالة العرب السيئة، في الجولة الثالثة في يونيو 1967.
ثم جاءت حرب أكتوبر 1973، فكانت حربا مختلفة تماما عن الحروب الثلاث السابقة لها، بعد أن تعمقنا في معرفة العدو الإسرائيلي، لتحديد مصادر قوته ومواطن ضعفه تحديدا دقيقا، مهد لنا الطريق في الصراع العسكري الدائم والمستمر بين العرب وإسرائيل.
لقد خاضت قواتنا المسلحة حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973 ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر. وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هم أنفسهم الذي اشتركوا في حرب أكتوبر، بفاصل زمني حوالي 6 سنوات. وهي فترة زمنية قصيرة، لا يمكن أن يُقال أن جيلا حل محل جيل. فضلا عن ذلك فإن الموقف العسكري الاستراتيجي في أكتوبر1973، كان أصعب من الموقف في حرب يونيو 1967. وبرغم ذلك عبَرت قواتنا الهزيمة، وحققت النصر العسكري في ظروف سياسية أعقد مما كانت عليه في يونيو.
ومن الملفت للنظر أيضا، أن إسرائيل انتصرت في حرب يونيو من حدود اعتبرتها غير آمنة، وانتصرنا عليها – نحن العرب – في حرب أكتوبر من حدود اعتبرتها آمنة . . . فصراع القوى الكبرى لن يهدأ في هذه المنطقة، والصراع العربي الإسرائيلي لن يتوقف “. انتهى.
- * *
التعليق : في #حرب #حزيران عام 1967، كانت الهزيمة للجيوش العربية الثلاث أمام القوات الإسرائيلية، وفي أكتوبر 1973 كان النصر للقوات المسلحة المصرية على العدو، الذي انتصر على الجيوش العربية في حرب حزيران.
وهنا أطرح التساؤل التالي : ما هو السرّ في هذه المفارقة، التي تمكن بها #الجيش_المصري وحده تقريبا، أن يحوّل الهزيمة إلى نصر، على العدو نفسه خلال فترة زمنية قصيرة ؟
يقول الفيلسوف الصيني صن تزو قبل 24 قرنا : ” إن كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك، فلا تخاف من نتائج مئة #معركة، وإن كنت تعرف نفسك ولا تعرف عدوك، فإنك ستلقى هزيمة مع كل انتصار تجنيه، أما إذا كنت لا تعرف عدوك ولا تعرف نفسك، فستُهزم في كل معركة “.
ولا شكّ بأن هناك أسبابا عديدة، جعلت القوات المسلحة المصرية تحقق النصر، من أهمها :
- معرفة القوات المسلحة المصرية لقدراتها الذاتية، وقدرات القوة والضعف لدى العدو الإسرائيلي.
- توفر الإرادة السياسية والعسكرية لدى القيادة العليا المصرية، لتحقيق النصر وتحريك الموقف العسكري الجامد وتحرير أرض سيناء.
- الثأر لهزيمة حزيران 1967 والتي لم تكن الجيوش العربية مستعدة لها، ولم تتمكن من أخذ فرصتها العملية في القتال لعدم توفر غطاء يوفر السيطرة الجوية في سماء المعارك.
- التعبئة النفسية وبث الروح القتالية بين الضباط والجنود، وإثبات قدرتهم على القتال واسترداد أرضهم المحتلة.
- الاقتناع بأن الصراع مع الإسرائيليين سيبقى مستمرا لكبح أطماعهم التوسعية غير المحدودة.
- فعالية خطة التدريب التي مارستها وحدات القوات المسلحة، وتطبيقها على أهداف مشابهة لما سيواجههم في الحرب القادمة.
- خطة الخداع المحكمة التي استطاعت تطبيقها القوات المسلحة، قبل بدء الحرب، وتحقيق المفاجأة.
- الحسابات الدقيقة في اختيار التوقيت المناسب لشن الحرب، فيما يتعلق بطبيعة المد والجزر في قناة السويس، ويصادف عيد الغفران اليهودي الذي يخف به توقع الحرب.
ولا شك أيضا بأن الرئيس السادات – اتفقنا أو اختلفنا معه – قد تحمل مسؤولية كبيرة في قرار الحرب، وقد كتب هيكل في هذا المجال قائلا : ” أتذكّر حوارا مع أنور السادات جرى مساء يوم الجمعة 21 سبتمبر 1973، في شرفة استراحة برج العرب المطلة على البحر. حيث كان جالسا في صمت لبعض الوقت، وكان فيما بدا يتأمل منظر غروب الشمس، في هذه البقعة الجميلة من شاطئ مصر الغربي، لكنه فجأة شدّ نظره عن مشهد الطبيعة المهيب ليقول لي :
” إن القرار بالنسبة لغيري تعامل مع الأفكار والتقديرات والاحتمالات، وأما بالنسبة لي، فإن القرار تعامل مع الحياة والموت، والمسألة لا تتعلق بشخصي، فقد عرفت الحياة وواجهت الموت، ولكنها تتعلق بآلاف . . مئات الآلاف من الرجال، سوف يأخذون الكلمة مني . . وفوق ذلك هناك كرامة ومستقبل وحياة أمة في الميزان “.
وبغضّ النظر إن كانت تلك الحرب هي حرب تحرير أم حرب تحريك كما يقال، إلا أنها على الصعيدين السياسي والعسكري صنعت تاريخا مشرّفا، اعترف به العالم وأقرّ به العدو والصديق. وإن كان قد شاب تلك الحرب أخطاء عسكرية استراتيجية، فقد كان ذلك نتيجة لتدخل القيادة السياسية في مجرى العمليات العسكرية، والتي تبعها لاحقا ( خطايا ) سياسية تتعلق بسوء مصير الأمة العربية.
رحم الله شهداء أكتوبر وجميع شهداء الأمة العربية، الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة في ميادين الشرف، دفاعا عن اوطانهم وشعوبهم.
التاريخ : 5 / 10 / 2023