
#العدالة تتجلى… و #المسؤولية تنتظر من يتحمّلها
بقلم: الأستاذ الدكتور محمد بني سلامة
في واحدة من المحطات الفارقة في مسيرة #العدالة_الأردنية، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارًا تاريخيًا أنصف طالبة دكتوراه، بعد أن تبيّن وجود تجاوزات واضحة في تقييمها الأكاديمي. هذا القرار لم يكن مجرد انتصار لطالبة مظلومة، بل هو انتصار لقيم الإنصاف، ودليل دامغ على نزاهة وعدالة #القضاء_الأردني، الذي يثبت يومًا بعد يوم أنه الحصن الأخير للحقوق، ومرجع العدل الذي لا يخذل أصحاب الحق، متى ما لجأوا إليه.
إن ما وقع في هذه القضية لم يكن يستدعي أصلًا أن يُعرض أمام المحاكم، بل كان بالإمكان – وبمنتهى السهولة – أن يُحل داخل أسوار الجامعة، بالحوار والإنصاف وروح المسؤولية. تمامًا كما تُحلّ مئات القضايا الأكاديمية والإدارية الأخرى يوميًا، بهدوء، وبعيدًا عن التصعيد. لكن حين تغيب الحكمة، وتُقصى العدالة، وتهتز المبادئ، لا يبقى أمام المظلوم سوى أبواب المحاكم.
ولأننا نؤمن أن #المؤسسات_الأكاديمية يجب أن تكون القدوة في الالتزام والشفافية، فإن ما حدث يدفعنا لطرح تساؤلات حقيقية ومقلقة: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ من سمح بأن تتراكم الأخطاء إلى أن تتحوّل إلى ظلم قانوني موثق؟ من المسؤول عن هدر وقت وجهد ومستقبل طالب، وعن تشويه صورة مؤسسة تعليمية كان الأصل أن تبقى ملاذًا للعدل والعلم معًا؟
ما حدث لم يكن خللًا عابرًا، بل هو مؤشر على اختلال مؤسسي عميق في بعض الدوائر المعنية، خصوصًا تلك التي يُفترض أن تحكمها القوانين الأكاديمية الصارمة: الدوائر القانونية، وعمادات البحث والدراسات العليا. السكوت عن هذا النوع من التجاوزات هو تواطؤ، والتغاضي عنه هو جريمة بحق الأمانة الأكاديمية. لذا، فإن المساءلة ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية، يجب أن تطال كل من كان سببًا مباشرًا أو غير مباشر في وقوع هذا الظلم.
والمطلوب اليوم ليس فقط محاسبة المتسببين، بل غرس ثقافة مؤسسية حقيقية تقوم على احترام القانون، وتحمل المسؤولية، وتحقيق العدالة في القرار، والتعامل مع الطالب كإنسان له كرامة وحق، لا مجرد رقم في سجل أكاديمي. فالمؤسسات لا تنهض بشعاراتها، بل بنزاهة إدارتها وشجاعة من يقودها.
وما يدمي القلب حقًا هو التدهور الصامت في مكانة بعض جامعاتنا، التي كانت يومًا ما فخرًا للأردنيين ومهوى أفئدة الطلبة من مختلف البلدان. جامعات كانت تتصدر المشهد العلمي في الثمانينات والتسعينات، وأصبحت اليوم تتراجع لصالح جامعات فتية أو خاصة، لا لضعف مواردها، بل لضعف الإرادة وغياب الرؤية وسوء الإدارة.
نحن أمام لحظة فاصلة، تتطلب من كل مسؤول، وكل وطني غيور، أن يتوقف طويلًا أمام هذه الواقعة، لا لنتباكى عليها، بل لنستخلص منها ما يعيد البوصلة إلى الاتجاه الصحيح. لا يجب أن تُطوى هذه الصفحة بصمت، كما طُويت غيرها، لأن تكرار الأخطاء دون محاسبة هو الطريق الأقصر نحو سقوط المؤسسات.
ختامًا، نرفع أيدينا بالدعاء أن يحفظ الله الأردن، ويحفظ مؤسساته، ويحمي جامعاته، وينير درب العلم والحق فيه، تحت ظل القيادة الهاشمية الرشيدة، وأن تبقى العدالة ركنًا راسخًا في بنيانه، لا تهزه العواصف، ولا تغيب عنه الشمس.