الراس اللي ما فيه كيف / يوسف غيشان

الراس اللي ما فيه كيف …

الخبر الطازج حديثا هو نجاج الأطباء في تركيب رأس بشري لجثة، مما يوحي أن تركيب الرأس البشري للكائن الحي سيكون أمراً معتادا عمّا قريب.
وبما أنّ التحليق في عالم الخيال العلمي هو من الأشياء القليلة، بل النادرة، التي تركها لنا الحكام العرب بغير عقوبات منصوص عليها دستوريا ً، لذلك أدعوكم إلى إطلاق العنان لخيالاتكم في هذا الموضوع.
معظم الإختراعات والاستكشافات كانت مجرّد متخيلة في ذهن شخص ما، ثم تحوّلت إلى حقيقة، منذ ابتكار العتلة والعجلة مروراً بالقاطرة البخارية والتلفون والراديو والتلفزيون والإنترنت والهاتف المحمول وفرّامة الملوخية ونشافة الفاصوليا!
تخيلوا أنني أصبت بجرح غائر خلال حلاقة ذقني، سوف أتصل بطبيبي الخاص، وأقول له ان يزرع لي رأسا ً جديدا ً، من خلاياي الجذعية المحفوظة في ثلاجته.. وربّما أطالبه بتعديلات وراثية، كأنْ يغيّر لون عيني ويقصّر أنفي، ويخفف من غلواء شحمة أذني المتدلية كبراطم البعير ووووو. طبعا يعرض علي الطبيب أن ضع لي رأسا مستعملا، فأرفض( انا ما بتباخل على حالي).
بعد الدوام أمرّ على طبيي الخاص، يبتسم بثقة لأنه أنجز زراعة الرأس مع كافة التعديلات، فأدخل إلى غرفة المقصلة، حيث أولج رأسي بين شفرتين حادتين، مثل المأسوف على شبابها (ماري أنطوانيت ).
تنزل المقصلة بسرعة قياسية، فينفصل رأسي عن جسدي، فيسرع الممرض لتنظيف المكان وإلقاء رأسي القديم في سلة المهملات، ويقوم ممرض آخر لا أراه بإخراج الرأس المقطوع من المهملات ووضعها في الثلاجة تمهيدا لبيع الرأس في سوق المستعمل.ثم يحضر الطبيب رأسي الجديد الطازج المعدل، ويرش ّ مادة صمغيّة على رقبتي المقصوصة، ويعلّق الرأس أوّليا ً.
يتم ّ نقلي بعدها إلى غرفة العناية الحثيثة، لمعايرة الرأس على الكمبيوتر، وربط الشرايين والأوردة والعضلات، ثم أدخل الى غرفة ( الفيزيو ثيرابي ) حتى تقوم الأجهزة بعمل مساج لمنطقة الجرح حتى يتلاءم الرأس الجديد مع جثتي.
خلال ساعتين سوف أعود إلى البيت برأس جديدة، أقرع جرس الباب، محاولاً أن أفاجئ المدام، تخرج غليظة الصوت، تنظر إلى وجهي فلا تعرفني – بعد التعديلات – لكنها تبتسم بلطف وتواطؤ – يبدو أنني أبدعت في اختيار التعديلات -، أسألها إذا كان زوجها الأستاذ (أنا) موجود في البيت، فتقول لي.. أنه سوف يتأخر اليوم، لأنه ذاهب لتعديل رأسه، بعدما جرح ذقنه خلال الحلاقة الصباحية.
طبعا كنت قد أخبرت المدام بأني سوف أغير الرأس والكسكيت والجعمكّة، لكنّي لم أحدثها عن التعديلات الدراماتيكية التي سوف أجريها على زقمي.
المدام تعاملني الآن باحترام شديد، على غير عادتها، يبدو أنني أعجبتها كثيرا ً.. يا للروعة، لكن وخوفا ًمن أن تحاول إغوائي، فأحرجها، وقفت بشكل مسرحي استعراضي وقلت:
– نيني نيني كع.. أنا جوزك بعد التعديل !!.
دهشت المدام وصار وجهها فاقع الاحمرار، وبانت عليها ملامح عدم التصديق، فكشفت عن منطقة في جسدي وأريتها الشامة السوداء الكبيرة على الجهة اليمنى..
فتأكدت المدام من هويتي.
استعاد وجهها التكشيرة الأبدية التي أعرفها، فنظرت إلي ّ شزرا وقالت:
– كنت عارف من الأول.. بس بتخوّث عليك.. بدّي أشوف لوين بتوصل معك، أكيد هاي السقاعات ورثتيها من أمك، أم كُشة.
ناكفتها وقلت لها أنها لم تعرفني، وأنها أعجبت بي، وكادت أن تحاول إغوائي لكني….!!
غضبت المدام ونظرت إلي نظرة نارية متفجرة توحي بالويل والثبور وقالت :
– بلا برادة، وقلة حيا…روح إجلي الصحون ورتب المطبخ، بعدين اطلع جيب إلنا أغراض للدار، اللي تاركها فاضية.. بعدين ليش ما جبت راسك القديم.. كان عملنا عليه طنجرة كوسا ؟!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى