“أشواق” لسواليف: فارقت أسرتي وزوجي المريض، لإن الفقراء يحتاجون لوجودي معهم اكثر

سواليف – خاص – سمية علي السياني

امرأة تقف بين جموع الجياع والفقراء، رسولة سلام وإنسانية، تهبهم روح من روحها مع كل جهودها ودعمها. تتحسس أشواق محرم، الطبيبة والناشطة في المجال الإنساني والإغاثي، آلام الفقراء والمرضى في محافظة الحديدة غرب اليمن. لم تتوانَ خلال سنتين من عمر الحرب في تقديم الدعم الطبي والغذائي لأكثر المناطق المتضررة في المحافظة التي تعمل فيها لقرابة عقدين من الزمن.

ولم تتخلَ تلك المرأة اليمنية عن الأطفال والكبار الذين يعانون من سوء التغذية, في مناطق لا تتوفر فيها أبسط الخدمات الأساسية وفي وقت بدا من الصعب مد يد العون لهم حتى من قبل المجتمع الدولي. تتنقل من منطقة لأخرى وفي ذراعيها أمل لكل من فقد الأمل في ظل تفاقم الأزمات واشتداد حدة الصراع الذي أخذ اليمن إلى حافة المجاعة والفشل الكلي للدولة.

الإيثار والمبادرة

“اشواق احمد محرم” هي أخصائية نساء وولادة وأخصائية طب الأسرة. عملت كأول طبيبة في المراكز الصحية بـ “الحديدة” – غرب اليمن – متطوعة لمدة 4 سنوات. ومنذ 1998 وهي تعمل في تقديم الخدمات بالريف.

تقول أشواق: “كنت أنزل بسيارتي وأخذ معي قابلة أو ممرضة ونقدم الخدمات والمعاينة والأدوية للفقراء في الريف. كما كنت أقوم بتوصيل الحالات التي تحتاج إحالة للمستشفى”.

“وفي بعض الحالات أضطر لتوليد المرأة في سيارتي اثناء اسعافها للمستشفى”.

لم يأمرها أحد بالتوجه لمنطقة “التحيتا” أكثر المناطق المتضررة في الحديدة وفي اليمن بشكل عام بعد الحرب. وكان يمكن أن تظل في مقر عملها تنتظر من يستطيع الوصول لها, لكن روح المبادرة جعلت منها تبتكر كل الأفكار لتصل إلى الجياع والمرضى لتقدم لهم الخدمات الضرورية في مناطقهم في خضم حرب صعبت مهام الدولة والمنظمات الدولية.

تعمل أشواق منذ اشتداد الصراع بعد الحرب في اليمن نهاية مارس 2015على تقديم الخدمات الطبية لكل الحالات مع التركيز على حالات سوء التغذية في الحديدة والتي تعاني من أعلى معدلات سوء التغذية في اليمن. وتعد منطقة التحيتا ضمن إقليم تهامة أكثر المناطق المتضررة.

أشواق آثرت أن تخدم الفقراء برغم كل الصعوبات والمضايقات من قبل بعض الأحزاب السياسية في البلد.

“فارقت أسرتي وزوجي المريض، لأنه كان لدي إحساس أن الناس الفقراء يحتاجون لوجودي معهم”، هكذا قالت لسواليف.

لم تبال أشواق في أي يوم من الأيام بحجم الصعوبات سواء تلك التي أوجدتها الحرب أو محاولات النيل من جهودها وإنسانيتها من قبل بعض الأفراد والجماعات المتنطعة التي حاولت إستغلال ظروف البلد للنيل من شخصيات صمدت وفضلت قيم المهنة والتطوع على حساب الكثير بما ذلك الأسرة والاهتمامات الشخصية، كالطبيبة والإنسانة أشواق.

تقول:”كنت اصارع لكي أستطيع الوصول للفقراء في الريف. كان بعض الاشخاص يعرقلون ذلك وكنت اشرح للبعض وأوضح لهم انني أقدم الخدمة مجانية لوجه الله.” “كنت اصارع وبكل ثقة وإصرار الحزبية والمناطقية المقيتة التي كانت تتولد لدى البعض”.

وتضيف: “في سنتين من الحرب كانت معاناتي كبيرة بالذات خلال2016 حيث كان التدهور الأمني من أهم العراقيل أمام نشاطي, واجهت تحديات منها الاعتداءات والتهديد بالاعتقال والتطاول, لكنني استمريت والحمد لله ومازلت مستمرة وسـأستمر”.

ليس هناك منظمات تدعم أشواق. تقول بأن كل نشاطاتها السابقة كانت بمجهود وتمويل شخصي. أما حاليا فهي تتلقى الدعم من بعض الشخصيات أو ممن سمتهم في أحد منشوراتها في الفيسبوك بفاعلي الخير.

تقول: “حاجة الناس للدواء والغذاء ساعدتني بالاستمرار ودعم الناس المادي والعيني كالمواد الغذائية ساعدني ايضا وجعلني اكثر اصرارا على الإستمرار. فرحة المحتاجين بحصولهم علي حاجتهم جعلتني اسعد نساء الأرض”.

أحيانا تبادر أشواق بتقديم دعم غير مباشر من خلال تبني مشروع في منطقة كأن تبني مخبز أو تقدم مشاريع تمكين المرأة العاملة والفقيرة مثل توفير ماكنات خياطة ودعم مشاريع صغيرة للأسر الفقيرة.

عملت أشواق في اغاثة المناطق التي تعرضت للفيضانات والأعاصير بالغذاء والدواء وتقديم خدمات طبية بالميدان وأستقبلت النازحين في القرى وقدمت لهم خدمات طبية وخدمات أخرى كالدواء والغذاء والفراش.

منطقة التحيتا

في قلب منطقة التحيتا ومعظم المناطق في إقليم تهامة، تلك البقاع المهجورة إنسانيا من اهم مقومات الحياة العادية، المغيبة عن اعين الحكومة وكل العالم بمن فيهم المنظمات الإنسانية، حيث لا توجد أي خدمات أساسية ولا حتى الطرق المعبدة، بحسب افادة الأهالي، كانت اشواق العين الرحيمة واليد الوحيدة التي تنبهت لمعاناتهم وامتدت لتطبب الآمهم ولتطعم جياعهم وكانت ملاك الرحمة الذي قدم لمساعدتهم بشتى السبل، لتقدم لهم اغاثات طبية وعلاجية وانسانية.

اشواق التي قررت ان تؤثرهم على اسرتها وآثرت ضمير الإنسانة على كل مسؤولياتها الإجتماعية، وبين أن تكون أما لأولادها وحسب او للكثير من الأطفال المحرومين من الرعاية، وبين واجب الزوجة والأم، اختارت هي ان تصبح أما لألاف الأطفال الذين وصلوا لحد المجاعة تحت خط الفقر والظروف الصعبة والمزرية.
لقد فاقمت الحرب الوضع الإنساني حتى أصبحت اليمن على شفا مجاعة. تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 82% من عدد السكان, أكثر من 22 مليون, بحاجة إلى دعم أساسي أو حماية. كما تشير الإحصائيات إلى أن 10 مليون قد أصبحوا يواحهون خطر المجاعة بالفعل في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والصعوبات التي تواجه منظمات الإغاثة التي لا تستطيع تقديم الدعم لكل المتضررين لأسباب أهمها شحة التمويل وصعوبة الوصول للمتضررين بسبب إستمرار المعارك.

كما تقول الأمم المتحدة أن قرابة 14 مليون مواطن لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية الكافية والمناسبة في ظل التحذير من أن النظام الصحفي في اليمن على وشكل الإنهيار الكلي. الكثير من المؤسسات الصحية توقفت وتدمرت منذ تفاقم الصراع بعد التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية. ولم يعد سوى 45% من المؤسسات الصحية تعمل في اليمن رغم أنها تواجه صعوبات نقص الأدوية والمعدات الطبية والأطقم المتخصصة. وكنتيجة مباشرة لهذا الوضع الصحي المتردي, تستشري الأمراض في معظم المناطق خصوصا الريفية, وارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى قرابة مليونين, فيهم قرابة 370.000 يعانون من سوء التغذية الحاد. ومؤخرا صرحت اليونيسيف بأنه يموت طفل كل عشر دقائق في اليمن من أمراض يمكن مكافحتها بسبب تردي الوضع الصحي.

ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة, فقد نزح أكثر من 3 مليون شخص بسبب الصراع.

تروي لنا اشواق مدى توجع ضميرها حيال ما حدث هناك وإزاء صمت العالم عن هذه المأساة الفادحة، تقول اشواق “لا زلت أبكي لأوجاعهم هم المنصفين الحقيقين لما نقدمه لهم.

شعرت بالخجل لحاجتهم …اين كنا منهم الى أن جاعوا؟؟؟

ملامح الوطن المجروح كلها جسدت في وجوههم. نظراتهم وصمتهم كان يقتلني، شعرت بالخجل منهم في كل مرة وإلى الآن …شقاؤهم موجع!!!”
في زمن الحرب يكثر اللغط وتتعاظم لغة المناطقية والعنصرية والتشدد, حيث تعاني المرأة في اليمن ويلات اقسى من ويلات المجتمع القبلي الذكوري, وما تقاسيه اشواق من هجوم اعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي يجسد معاناة كل امرأة رائدة وقيادية, ولكن لم يثنها من مواصلة مسيرتها الشجاعة, لتناضل بقلب امراة صلبة وبعزيمة جبارة تمضي نحو أهدافها السامية و النبيلة وبكل قيمها الإنسانية الراسخة لا تأبه لكل تلك العبارات الجارحة والآراء المشككة بنزاهة مقاصدها التطوعية, اشواق امرأة تنتصر للإنسانية في وقت صعب و في شدة بلد يعيش أسوأ فتراته. ليتم اختيار أشواق من بين أقوى مائة امرأة تسعى للتغيير في العالم من قبل وكالة البي البي سي. وتستحق ان يسمونها في اليمن أم الفقراء والجياع في تهامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى