الجدار العازل / وائل مكاحلة

الجدار العازل
تنويه: “نظرا لعدم اكتمال أعمال الصيانة، سيتم نقل المدرسة مؤقتا إلى مبنى الكلية الإسلامية القديم”..

لظروف خارجة عن إرادتي كما قرأتم أعلاه.. وجدت نفسي في مدرسة أخرى تبعد عن الأولى كيلومترين كاملين، الغريب هنا أن مبنى الكلية الذي احتوى مدرستي لعام كامل كان مقاما على حدود مدرسة ثانوية أخرى للبنين !!.. يفصل بين المدرستين سور واحد، وبما أن المطلوب من الغريب أن يكون مؤدبا في شرع الغربة، فقد إلتزمنا بقواعد حسن الجيرة والجوار منذ البدء.. في الأيام الأولى قمنا بتخفيض صوت إذاعتنا المدرسية – وديا – عندما لاحظنا من خلال إذاعتهم أننا نزعجهم، بعد أيام سقطت كرة كانوا يلهون بها في ساحتنا وانفجرت وحدها، جاء الأستاذ ضياء ورمى لهم بكرة جديدة من كراتنا، وعندما استنكرنا هذا التصرف ذكرنا الأستاذ ضياء بأنهم أصحاب المكان وأننا ضيوف، ونبه إلى ضرورة التمسك بقواعد حسن الجوار معهم.. بعد يومين من تلك الحادثة سقطت كرة لنا عندهم، فسمعنا صوت الكرة تتقافز لم يمسها ضر، لكنهم أعادوها لنا رميا من عندهم عبر السور لنجد أنها انفجرت بفعل فاعل، أثر الموسي كان ظاهرا لا ينكره إلا أحمق…!!

في الشهر التالي حدث ما لم يكن بالحسبان.. أرسل الأستاذ ضياء أحد زملائنا ليحضر بعض ملازم الرياضيات من نظيره في المدرسة الأخرى، الطالب خرج من مدرستنا إلى مدرستهم والتقى بالأستاذ الآخر وأخذ منه المطلوب، وعندما هم بالخروج من مدرستهم تعرض له بعضهم بالسخرية والتعليقات المستفزة، حاول هذا التعبير عن استيائه فعبر له هؤلاء عن مودتهم الزائدة، هكذا عاد وهو يحمل عدة جروح جسدية ونفسية، نظرنا كلنا إلى الأستاذ ضياء غاضبين.. لكنه عاد وذكرنا بأنهم أصحاب المكان وأننا ضيوف، ونبه إلى ضرورة التمسك بقواعد حسن الجوار معهم.. وللمرة الألف ابتلعنا الحدث الأليم مع غصة الشعور بالغربة… وصمتنا !!!

ذات مرة شكونا من رداءة الطعام الذي يقدمه مقصف المدرسة مقارنة بالمقصف الفاخر في المدرسة الأخرى، فقط لنكتشف أن مقصفنا تديره إدارة المدرسة الأخرى !!.. وحين نظرنا إلى الأستاذ ضياء مستهجنين ارتبك وأخبرنا أنهم وافقوا على مجاورتنا لهم بشروط.. من ضمنها أن يكون المقصف تحت إدارتهم، قلنا له أن إدارتهم فاشلة وأن طعامهم الذي يقدمونه ردئ، فطقطق بلسانه محذرا:-

– تؤ تؤ تؤ.. عيب، هؤلاء أصحاب مكان ونحن ضيوف…!!

توالت الأحداث سراعا.. زادت المدرسة الأخرى من عدد مكبرات الصوت في باحتها حتى غطت على مكبراتنا تماما، ثم سُرقت بعض المقاعد الخاصة بصفوفنا حتى بدأنا بافتراش الأرض كي نتابع دروسنا، وبعدها وجدنا غرفة الموسيقى وقد خلت تقريبا من الأدوات الموسيقية واختفت دفاتر النوتات، صار تجاوز السور الذي يفصل بيننا مشروعا لهم حتى في أوقات الدوام، وأصبح مجرد مرورنا من أمام مدرستهم مغامرة غير مأمونة العواقب، وزادت حالات التحرش اللاإنساني بنا بشكل ملحوظ، كل هذا ولا يزال الأستاذ ضياء يطالبنا بالتقيد بقواعد حسن الجوار والحلم والصبر…!!

كنا نستطيع تمزيقهم لو أردنا.. لكننا طلبة ثانوية يمثل أمامنا دفتر علامات السنة !!.. لا نريد مشاكل مع ضياء تعيدنا سنة إلى الوراء…!!

أخيرا طفح الكيل.. جمعنا أنفسنا في لفيف من الطلبة من كافة مستويات الثانوية وأقسامها، وذهبنا إلى مكتب الأستاذ ضياء لمقابلته فسمح لنا بالدخول، أخبرناه بأنه لم يعد هناك ما يلزمنا بقواعد الجوار ولا باحترام الجار، وأن تجاوز السور أصبح نشاطا طبيعيا يقومون به لكسر مللهم، وأن عدد المصابين من مدرستنا فاق عدد أيام السنة الدراسية التي كادت تنتصف:-

– أستاذ ضياء.. إما أن تتصرف أو سنحيلها بيننا جحيما..

لوح الأستاذ ضياء بيديه مهدئا:-

– لا بأس.. عودوا إلى صفوفكم وأنا سأتصرف..

عاد الأستاذ ضياء بعد اجتماع معهم دام لساعتين، وحين التقينا به وعدنا خيرا كما وعدوه، وعند خروجنا من المدرسة لاحظنا أن هناك سيارة شحن تدخل إلى المدرسة الأخرى لتفرغ حمولة من الطوب والإسمنت، لم يهمنا الأمر كثيرا وذهبنا إلى بيوتنا مستشعرين أننا انتصرنا ولو على طاولة المفاوضات.. مهما طال الظلم فنهايته الزوال.. بهذا أقنعنا أنفسنا طيلة مساء ذلك اليوم !!!

في اليوم التالي دخلنا إلى المدرسة لنجد زملاءنا متسمرين أمام السور، وحين نظرنا لنرى ما هالهم تدلت فكوكنا السفلية فجيعة…!!

السور الذي كان يبلغ المترين أصبح يناهز الثلاثة أمتار ونصف ارتفاعا، وثمة عبارة جدارية كبيرة كتبت على جهتنا من السور:-

“يمنع تجاوز الجدار.. تحت طائلة القانون”…!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى