الطائرة الروسية والخضوع للإرهاب / تاج الدين عبدالحق

*رئيس تحرير شبكة إرم الاخبارية

من حق، بل من واجب الدول، أن تأخذ الاحتياطيات والإجراءات التي تحمي مواطنيها، وتجنبهم المخاطر، وتدفع عنهم الشر.
لكن الدول، عادة، تكون حساسة في إتخاذ إجراءات يفهم منها أنها تخضع للابتزاز، أو تنصاع للتهديد.
ولعلنا نذكر عشرات الحالات التي رفضت فيها السلطات والحكومات تهديد تنظيمات إرهابية بقتل رهائن، أو نسف منشآت، حتى لا يفهم أنه نوع من الاستجابه للشروط، أو شكل من أشكال الخضوع للابتزاز، والانصياع له.
الغريب أن رفض الدول والحكومات لتهديدات الارهابين، كان يتم، في معظم الحالات، عندما يتعرض فيها مواطنوها لخطر ماثل، لا لخطر محتمل أو متوقع، بل إن تلك الدول لم تتورع عن التضحيه بمواطنيها وتعريضهم للخطر الشديد، وكانت ترفض المساومة على أي شروط حتى لا يقال إنها خضعت لابتزاز الارهابين، أو أنها قبلت مطالبهم، مع ما يترتب على ذلك من أضرار أمنية وسياسية.
لكن هذا الموقف، للأسف، يتبدل في الحالات التي يصبح فيها العمل الإرهابي فعلا، لا تهديدا، واقعا، لا نوايا، حيث تأخذ الدول إجراءات ما كانت لتتخذها لو أنها كانت مطلوبه منها لتفادي وقوع العمل الإرهابي.
وفي حادث تفجير الطائرة الروسية مثل واضح على ذلك حين أصبح الحادث الإرهابي سببا في إجراءات عديدة، إتخذتها الدول المتضررة وغير المتضررة من الحادث وكان من نتيجتها، وقف رحلات الطيران، لا إلى شرم الشيخ فقط، بل لعدد من المطارات المصرية، وربما وقف، أو إلغاء برامج سياحية كاملة لا للمناطق التي استهدفها العمل الإرهابي بل لمواقع ومرافق في عموم مصر.
ومع أننا نؤكد على أن من واجب الحكومات والدول حماية مواطنيها والحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم، لكن لا يمكن أن نصف حالة الهلع التي تنتاب بعض السلطات الغربية إزاء بعض الأعمال الإرهابية التي تقع في المنطقة، إلا بكونها نوع من الخضوع لابتزاز الإرهابيين، وشكل من أشكال تشجيعهم على مزيد من هذه الممارسات.
بهذا الشكل يمكن فهم وتحليل العمل الإرهابي الذي استهدف الطائرة الروسية في سيناء، فهو لم يكن يستهدف ركاب الطائرة، بقدر ما كان رسالة من الارهابين إلى أكثر من جهة، وبأهداف أبعد من القتل المجرد، ويبدو أن الرسالة وصلت، والأهداف تحققت.
فالاستجابة المتسرعة لكثير من الدول الغربية على العمل الإرهابي، مثلت نوعا من الخضوع للابتزاز، وبدت شكلا من أشكال تنفيذ الشروط الضمنية للتنظيمات الإرهابية، فلم تكتفِ تلك الدول بإلغاء رحلات الطيران للمنطقة، بل صبت الزيت على النار المشتعلة، فتمادت في انتقاد الإجراءات الأمنية، وفي تسريب معلومات زائفة أو مضخمة عن حوادث سابقة صنفت وقتها بأنها حوادث عادية لا تثير الخوف ولا تستدعي الهلع.
قد تكون هناك حاجة لمراجعة بعض الإجراءات الأمنية في بعض المطارات والمرافق السياحية، وهو ما تفعله دول المنطقة، بالفعل، في كل مرة يتهدد فيه أمنها أو تتعرض لتهديدات إرهابية من أي نوع.
بل إن دول المنطقة تحملت كلفا كبيرة، على المستويين المادي والسياسي، لتشديد إجراءات الأمن وتوفير التجهيزات البشرية والتقنية اللازمة لذلك، لكن ليس من المعقول أن تتحول هذه المراجعة إلى عقوبة، وكأن الدول التي تتعرض للارهاب هي من يتحمل المسؤولية، أو أن عليها وحدها أن تدفع كلفته الباهظة.
حتى الآن، وربما إلى زمن طويل ليست هناك ضمانات في أن تكون أي دولة بمأمن من الإرهاب، وإلا لما وقعت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك ومترو الانفاق في بريطانيا واسبانيا، وحوادث الإرهاب العديدة في موسكو، فضلا عن عمليات إرهابية في كثير من الدول الغربية المتطورة في مجال الرقابة الأمنية.
ولو أن كل دولة من تلك الدول خضعت لمقاطعة سياحية أو اقتصادية، كتلك التي تبدو نذرها ماثلة منذ وقوع حادث تفجير الطائرة الروسية، لكان الأمر مفهوما ومقبولا، لكن الكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بدولة من دول المنطقة، أمر يحتاج إلى مراجعة.
فالأساليب التي يتعامل بها الغرب مع دول المنطقة، تظهرها وكأنها دول تعاني من انفلات أمني أو أنها غير قادرة على توفير الأمن لزوارها والقادمين إليها، وهو أمر يتقاطع ويلتقي مع هدف الإرهاب وغاياته.
والحرص الذي تبديه الدول الغربية في مواجهة تداعيات تفجير الطائرة الروسية، يمكن أن يكون مدخلا، لا لتبادل الانتقاد، بل لتعاون يمنع الإرهاب من تحقيق هدفه المباشر في إثارة الهلع والخوف، بل وقطع الطريق أمام هدفه البعيد، الرامي إلى خلط الأوراق، وجعل محاربة الإرهاب مهمة صعبه، وسببا في إشعال الخلافات بين ضحاياه، بدلا من تعاون هؤلاء لمواجهته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى