الصف الأول محجوز ..!

الصف الأول محجوز ..!
د. قــدر الدغمــي

في العادة وفي كل المناسبات نجد بأن الصف الأول محجوز لكبار المدعوين من الشخصيات، وغالباً ما تحصل هناك حالات تساؤل وعتب واحتجاج لأن فلان جاء للحضور ولم يجد له مقعد في الصف الأول، وقد يغادر الفعالية منفعلاً ومتهكماً على أصحابها لأنهم لم يخصصوا له مقعداً في الصف الأول مع كبار الحضور. لكن السؤال، ما هو الشيء الحقيقي أو الانجاز التاريخي الذي قدمه رجال الصف الأول واستحقوا عليه الجلوس في هذا المكان ..؟
في الصف الأول تجد الغرائب والعجائب، حتى في المساجد على سبيل المثال تجد بعض المواقع في الصف الأول محجوزة وعند التدقيق في مصلّي الصف الأول تجد منهم المرابي ومن أكل مال أخيه المرحوم، وترك أطفاله لرعاية الله وعطايا لجان الزكاة والمعونة الوطنية، وتجد النصّاب المحتال غاضب أمه لأجل عيون زوجته، ولا يزورها ولا يتفقدها، وتجد من أكل حصص أخواته البنات من الميراث، وتجد من يؤذي جيرانه، وتجد والفاسد والمختلس والمتلاعب في الميزان ..الخ
في المناسبات العامة ذات الرعاية على مستوى عالي تجد كراسي الصف الأول كلها محجوزة، إن لم يكن بأوراق ملصقة عليها، فبأشخاص على شكل دمى لا تتحرك، طبعاً غالباً الحجز لا يتم على أساس العلم والفكر والبذل والعطاء بل على أساس الرصيد المالي والوجاهة والمرتبة الوظيفة والدفع والواسطة والمحسوبية وجماعة فلان وعلان، واحيانا هذه الكراسي محجوزة ليست لأصحاب المكانة والوجاهة بل لصغار القوم وسفهائهم وأراذلهم.
ثقافة الحجز تعدت المناسبات العامة والخاصة والصفوف الأولى، فعلى سبيل المثال عندما تذهب لشركات الاتصال لتشتري رقم هاتف خلوي وبعد أن تختار رقما قد أعجبك يقول لك مسؤول المبيعات: للأسف هذا الرقم محجوز، طبعاً حجز هذا الرقم خصوصاً يتم على أساس لمن يدفع أكثر، لم يقف الحال هنا فقط، فعندما يذهب أحدهم للتقدم لخطبة فتاة لأبنه وقد تعلق قلبه بها، يأتي الرد: البنت محجوزة لأبن عمها، أو لأبن خالتها، وفي الواقع هي محجوزة حتى يستفيد والدها من راتبها، أو محجوزة حتى تسدد مهر زواج اخيها المتعثر العاطل عن العمل.
ايضاً عندما تذهب إلى الأسواق العامة وعندما تبحث عن مصف لمركبتك وتجد مكان صغير وفارغ وقبل الاصطفاف وعندما تهم بالنزول منها لشراء حاجة أو لمراجعة دائرة أو لعيادة طبيب أو لشراء علاج من أحدى الصيدليات يخرج عليك أحدهم مسرعاً من هناك ليقول لك وبنبرة صوت حادة: لو سمحت المكان محجوز.
لنذهب أبعد من ذلك قليلاً حتى في الصحافة الورقية والإلكترونية اليوم تجد أن هذا العمود أو هذه المساحة محجوزة للشخص الفلاني صاحب الكلمة الجهبذ الذي لا يشق له غبار..! نعم لقد تعدت ثقافة المحجوز الصفوف الأولى في مناسباتنا، لتصبح ظاهرة عامة في كل تفاصيل حياتنا، وفي كل مكان وزمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى