نصف قرن على نكسة حزيران 1967م

نصف قرن على نكسة حزيران 1967م
د. قــدر الدغمـي

لم تكن هزيمة حزيران 1967م هزيمة عسكرية بالمفهوم الحربي الضيق ، وإنما كانت هزيمة سياسية اجتماعية نفسية ووجدانية للعرب الشرفاء ، وبذلك انهار حلم ومشروع الدولة التحررية والنظام العربي الساعي لتحرير أرض فلسطين كاملة وطرد اليهود الغاصبين منها.
لقد كانت فلسطين تمثل القضية العربية المحورية والمركزية الأولى ، قبل أكثر من خمسين عاما من الآن ولغياب خطة الحرب المدروسة بإحكام عاشت شعوب المنطقة العربية وانظمتها مرارة النكسة ونتائج الهزيمة أمام جيوش كيان الاحتلال الإسرائيلي وقواته المدعومة خارجيا والذي اعتمد على الخداع ومباغتة الجيوش العربية ، في حين كانت الأجواء العامة والظروف توحي بسحق قوات الاحتلال خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956م ، والتي تمخض عنها بالنهاية إرغام إسرائيل من الانسحاب من منطقة السويس.
في تلك الفترة كان الوعي الشعبي العربي صادقا في دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة ، وايضا كان الوجدان العربي حاضرا في معادته للولايات المتحدة الامريكية الداعم الرئيسي لإسرائيل ، وقد تولدت لدى ذاك الجيل الذي لم يتبقى منه إلا القلة القليلة في حمل آمال التحرر والنصر على اليهود الغاصبين للأرض العربية ، وطردهم وهزيمتهم شر هزيمة بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر زعيم المشروع القومي العربي من المحيط إلى الخليج.
كانت أجواء الحرب الباردة آنذاك في ذروتها ، وكان الرأي العام العربي مجمع على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ووقفها معها في حربها مع العرب ، حيث وفرت لها جسرا جويا لنقل المعدات العسكرية واللوجستية لقواتها وبذلك هي طرفا مباشرا وشريك في عملياتها العدوانية ضد العرب ، وبالمقابل كان التفاعل الشعبي العربي ينحاز ويقف بصف جميع ثوار العالم ضد الامبريالية وسياسة الولايات المتحدة الامريكية تحديدا ويناصر حركات التحرر في كل مكان.
ساهمت نكسة 1967م في تغيير مسار الصراع العربي ـ الاسرائيلي إلى يومنا هذا ، خاصة بعد أن خسر العرب سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السورية ، فقضية فلسطين التي كانت محورا اساسيا في الواقع العربي منذ قيام دولة إسرائيل في 1948م يصعب تغييبها عن المشهد السياسي العربي ، إلا أنه وبعد نصف قرن من النكسة تحول الصراع إلى صراع سلمي سعى ويسعى لحصر تحرير فلسطين بالتفاوض والطرق السلمية ، وخاصة بعد ما تبقى من الأراضي التي احتلتها عام 1967م ، وبداية عمليات التطبيع مع تمدد وتوسع إسرائيل في مستوطناتها على غالبية مساحة أرض فلسطين.
الآن وبعد كل هذا التردي والخذلان ، ومما لا شك فيه أن نكسة 1967م جاءت تعميقا وتجذيرا لنكبة 1948م ، وأن أي خيار للعرب وللفلسطينيين اليوم وبغض النظر عن أحقيتهم وعدالة قضيتهم لن تكون لهم الغلبة على هذا الكيان الغاصب إلا بعد بناء وبث روح الفداء والتضحية لدى الشعوب العربية ، وترسيخ مفهوم أن فلسطين أرض عربية تم احتلالها ولا بد من تحريرها.
ما يمر به النظام العربي اليوم من ضعف وتشرذم وقبوله بما يسمى بصفقة القرن وما سبقها من صفقات متلاحقة ، ما هي إلا ترجمة حية وسلسلة من حلقات لتمرير اقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره وارغامه على القبول والتسليم والاعتراف بواقع الحال بعد إسقاط كل مفردات التحرير ، الخوف القادم هو إسقاط أسم فلسطين من ذاكرة الاجيال القادمة كأرض محتله ، لكن حقائق التاريخ راسخة مهما تم تزويرها والتلاعب بها، وفلسطين التاريخية ستبقى حق لأهلها مهما طال الزمان أو قصر ، تماشيا مع المثل القائل: “ما يضيع حق وراءه مطالب”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى