
الشُّكْرُ
أَنْ تَسْتَيْقِظَ كُلَّ صَبَاحٍ دُونَ أَلَمٍ، أَنْ تُبْصِرَ وَجْهَ مَنْ تُحِبَّ، أَنْ تَمْشِيَ، أَنْ تَتَنَفَّسَ، تَضْحَكَ، تَأْكُلَ، جَمِيعُهَا مُعْجِزَاتٌ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ الْبَارِئِ الْخَالِقِ الْمُصَوِّرِ، وَمِنْ أَوَّلِ شَرْخٍ لِنِعَمِهِ اعْتَدْنَاهَا نُوقِنُ أَنَّنَا تَنَاسَيْنَا فِرْدَوْسًا كُنَّا نَعِيشُهُ، وَلَمْ نَرْفَعْ لِخَالِقِهِ تَهْلِيلَةَ شُكْر.
أحَقًّا نَحْنُ مِنْ عِبَادِهِ الْقَلِيلِ؟
قال تعالى في (القرآن العظيم الحكيم المجيد):
إنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ
سورة التغابن، الآية 17
وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
سورة فاطر، الآية 34
ذريَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا
سورة الإسراء، الآية 3
وَقَدَّمَ اللهُ الشُّكْرَ عَلَى الْإِيمَانِ لِأَهَمِّيَّتِهِ وَمَدْحًا لَهُ، وَهِيَ عِبَادَةٌ تَزِيدُ الْإِيمَانَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً
سورة النساء، الآية 147
فَمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ: أَيْ يَرَى أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ فَيَشْكُرَ لَهُمْ، أَيْ بِمَعْنَى يُثِيبُهُمْ.
وَعَلِيمٌ: فَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ كَمْ يَسْتَحِقُّ مِنْ شُكْرِهِ مِنْ جَزَاءٍ وَعَطَاءٍ.
فَاللَّهُ يُثْنِي عَلَى عِبَادِهِ الشَّاكِرِينَ، وَيَكُونُ الشُّكْرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَرْكِ الْكُفْرِ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ (الإِسْلَامِ)، وَإِقْرَارِ النِّعْمَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِهَا، ثُمَّ الْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ الْمُنْعِمُ، ثُمَّ عِبَادَتُهُ، ثُمَّ التَّعْرِيفُ بِهِ وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْحَكِيمِ الْمَجِيدِ يَأْتِي الشُّكْرُ عَلَى مَرَاتِبَ:
أَوَّلًا: ثَنَاءُ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ
بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي أَوَّلُهَا “الْأَلِفُ وَاللَّامُ”، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3]
ثَانِيًا: ثَنَاءُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
[البقرة: 32]
ثَالِثًا: مَدْحُ الْبَشَرِ، وَخُصُوصًا الْأَنْبِيَاءَ
وإذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[البقرة: 127]
وَهُوَ أَوَّلُ مَدْحٍ لِإِنْسَانٍ ذكر ، ذَكَرَهُ: النَّبِيُّ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ.
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[آل عمران: 35]
وَهُوَ أَوَّلُ مَدْحٍ لإنسان أُنْثَى
وَبَيَّنَ الدُّكْتُور Robert Emmons وَهُوَ أَحَدُ أَبْرَزِ الْبَاحِثِينَ فِي عِلْمِ النَّفْسِ الْإِيجَابِيِّ بِجَامِعَةِ كَالِيفُورْنْيَا، يَقُولُ:
إِنَّ الْأَشْخَاصَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّكْرَ وَالِامْتِنَانَ بِانْتِظَامٍ، يَكُونُونَ أَكْثَرَ سَعَادَةً بِنِسْبَةِ 25% مِنْ غَيْرِهِم، وَبِذَلِكَ يُعَزِّزُ الرِّضَا عَنِ الْحَيَاةِ، وَيُقَلِّلُ مِنَ الْقَلَقِ وَالِاكْتِئَابِ، كَمَا تُسَاعِدُ الْأَفْرَادَ الَّذِينَ يُعَانُونَ الْأَرَقَ، وَالْمُخَدِّرَاتِ، وَاضْطِرَابَاتِ النَّوْمِ، فَتَجْلِبُ لَهُمُ الْأَمَلَ وَالْإِيجَابِيَّةَ.
..وَفِي عُلُومِ الطَّاقَةِ وَالتَّنْمِيَةِ الذَّاتِيَّةِ يُعْتَبَرُ الشُّكْرُ وَالِامْتِنَانُ مِنْ أَقْوَى الطَّاقَاتِ الْإِيجَابِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعِيشَ بِهَا، فَتَرْفَعُ ذَبْذَبَاتِهِ، وَيَحْدُثُ تَحَوُّلٌ فِي الطَّاقَةِ الْإِيجَابِيَّةِ، وَبِحَسَبِ قَانُونِ الْجَذْبِ، فَإِنَّكَ تَجْذِبُ مَا تُرَكِّزُ عَلَيْهِ.
أَمَّا رُؤْيَتِي عَنِ الشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ، فَهِيَ مِنْ أَهَمِّ الْمَهَارَاتِ الَّتِي يَتَوَجَّبُ تَدْرِيبُ الْعَقْلِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَبْحَثٌ تَرَاهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَجْرِي خَارِجَكَ، بَلْ تَتَدَفَّقُ مِنْ دَاخِلِكَ، فَإِنَّ بِالشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ تَمْلَأُ الْفَجْوَةَ مَا بَيْنَ قَلْبِكَ وَالْحَيَاةِ، وَتُسْقِطُ عَنْكَ ثَوْبَ الضَّحِيَّةِ.
فَنِسْيَانُ النِّعَمِ كَالْعَاصِفَةِ، تَزُولُ بِشُكْرِكَ لِفَضْلِهِ، لِتَظْهَرَ السَّمَاءُ بِزُرْقَتِهَا كُلَّمَا امْتَلَأَ قَلْبُكَ امْتِنَانًا لِكَرَمِهِ، فَتَرْتَقِي بِنَفْسِكَ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ.