السياحة بين نارين / طاهر العدوان

السياحة بين نارين
نار البنية التحتية ( الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ) ونار السياسة الحكومية ( المتقلبة والمتناقضة وغير الحاسمة ) . وبين النارين خسر ويخسر الاردن اهم موارده الاقتصادية ، السياحة كان يمكن ان تكون نفط البلد واهم موارده المالية .
بداية لا توجد استراتيجية وطنية عابرة للحكومات قادرة على ايجاد قناعة شاملة تجمع المجتمع والدولة على تعريف موحديقول بان السياحة هي اهم الثروات الوطنية على الإطلاق وانها ثروة غير مستغلة . وبانه لا هدف اهم من هدف انجاز بنية تحتية تؤهل هذه الثروة للاستثمار الأمثل الذي يجذب رأس المال الداخلي والخارجي ويبدا بتأهيل الاردن لكي يكتسب صفة ( الهوية السياحية الإقليمية والعالمية ) .
سياسات الحكومات الداخلية والخارجية لا توحي بوجود مثل هذه القناعة بل انها تبين بان هناك عجز في مسألة تقييم قيمة الثروة السياحية غير المستغلة ، ولقد سمعت من مواطنين عرب واردنيين كلمات الدهشة والاستغراب بعد ان زاروا بالصدفة مناطق في الشمال وفي أقصى الشمال الغربي من الاردن ، مثل القول ( معقول هذه المناطق في الاردن !!) . ومثل هذه العبارات تلخص مسألة الفشل في جذب ملايين السواح الى الاردن في الشتاء والصيف ، فالسياحة الاردنية ( مخبأة ) بانتظار المكتشف الاجنبي (مثل اللي اكتشف البتراء !.)
كل ماشهدناه خلال العقدين الماضيين وحتى اليوم خطط وسياسات متناثرة بين القطاع الخاص والحكومة لا يجمعها اطار يقود الى خطط متناغمة منسقة بهدف خلق مناخ عام جاذب يستقطب الزائرين والسياح العرب والأجانب وحتى السياحة الداخلية . وعلى سبيل المثال السياحة العلاجية ، فهذه ثمرة من ثمار القطاع الصحي الخاص الذي بذل اموالا وجهودا كبيرة لكي تستقطب عمان مئات الالاف من العرب الطالبين للعلاج في المستشفيات والعيادات الاردنية ، هذه السياحة تراجعت كثيرا واذا ما سألت عن السبب قيل انه بسبب التشدد في منح الفيزا للقادمين من العراق واليمن وليبيا وغيرها من البلدان واذا كان هذا صحيحا فانه مثال على غياب الرؤيا والهدف بين القطاع الصحي والسياحي من جهة وبين الحكومة وحساباتها السياسية والأمنية . ولقد قرأت خبرا يقول بان تركيا استقبلت اكثرمن ٦٠ ألفا من العرب القادمين للعلاج وذلك خلال الاشهر الاولى من هذا العام اثر قيامها بتقديم تسهيلات استثنائية عند دخول المطارات التركية وهي نفس الفترة التي تشهد فيه السياحة العلاجية الاردنية تراجعا كبيرا في اعداد القادمين العرب للسبب المذكور .
واستطرادا لموضوع السياحة العلاجية ، فلقد (اثيرت قضية من قبل مواطن في بلد عربي شقيق ينتقد فيها بعض الممارسات التي يقول انه تعرض لها في احد المراكز الطبية ) . لقد اتخذت إجراءات نقابية وغيرها ضد هذا المركز وفي المقابل لم يطلع الراي العام المحلي والعربي على الحقيقة من خلال تحقيق محايد ورسمي لكي يُعرف ان كان هذا الخطأ قد وقع فعلا ، واذا كان كذلك هل هو متكرر ام انه استثنائي ومحدود يدخل في باب ما يعرف بالاخطاء الطبية في الممارسات و التشخيص . ان عدم التعامل مع هذه القضية بصورة شفافة وبخطة مقابلة أدى الى نتيجة سلبية جداً على سمعة وصورة السياحة العلاجية . لم نر اي جهد رسمي ونقابي يبذل ، ومن خلال وسائل الاعلام ، لإعادة تقديم القدرات العلاجية في الاردن بما تستحق من كفاءات وقدرات مشهود لها ، وذلك لتصحيح الصورة وتنقيتها من ما لحق بها من سلبيات بين أوساط الراي العام المهتم بهذا النوع من السياحة . بالمقابل شاهدنا ونشاهد أسبوعيا برنامج ترويجي للسياحة العلاجية في تركيا من خلال اهم الفضائيات العربية وأوسعها انتشارا . وانا هنا استخدم تركيا كمثال من باب الاستعانة( بالأمثولة ) لحالة تتناغم فيها الإجراءات الحكومية مع المصالح الطبية من اجل تحقيق المصالح الوطنية العامة .
– نشاط وزير السياحة الشاب نايف الفايز وحده لا يكفي لاحياء القطاع السياحي وان كان مهما ويستحق كل الدعم . فالمطلوب اولا (الاعتراف )من قبل الدولة كلها بحكومتها واجهزتها بان هدف تنمية السياحة وجذب السياح العرب والأجانب هو اهم الأهداف الاقتصادية والمالية على الإطلاق ، وهذا يعني اعادة رسم مجمل السياسات الداخلية والخارجية لتوظيفها جميعا في خدمة هذا الهدف .
على سبيل المثال : – ليست مهمة وزير السياحة فقط تحويل عمان الى مدينة جاذبة ومريحة للسياح العرب والأجانب ( من خلال البوسترات ) ، هذا لا يكفي لانها ايضا مهمة أمانة عمان ودائرة السير ووزارة العمل ووزارة الاقتصاد ، اي مهمة سائق التاكسي والقائمين على وسائل المواصلات ، واسعار الفنادق والمطاعم . كذلك هي مهمة المجتمع المدني ، المعني بالطابع الثقافي والترويجي للمدينة . السياحة تكون جاذبة بوضع أسعار معقولة للفنادق والمطاعم ( وليس بقائمة طعام للسائح تختلف عن قائمة الطعام للمواطن ). وبوسائل مواصلات مريحة ونظيفة ابتداء من تكسي الأجرة الى الباصات . ليس صعبا ان تنظم حملات ومخالفات صارمة من اجل نظافة سيارة التاكسي من الداخل ومن اجل سلوكيات مريحة ترشد تعامل السائق مع طالبي الخدمة ، واذا كان المواطن يقف ليجادل ويفاوض من اجل ان يكسب موافقة السائق لتوصيله الى الجهة التي يريدها فكيف هي حال الأجنبي ! واذا كان السائق يحتاج للراكب لكي يدله على العنوان الذاهب اليه فهناك مشكلة !. . كما انها ليست مهمة وزير السياحة تحويل وسط المدينة الممتدة من الساحة الهاشمية الى جبل القلعة الى ( سيدي أبوسعيد تونسية ثانية ) لشرب الشاي والقهوة والعصائر والحلويات الشعبية التي تجذب السياح الأجانب قبل العرب انها مهمة أمانة عمان ومهمة القطاع الخاص .
عمان مدينة جميلة بتلالها ومناخها الفريد وبيوتها الحجرية مع ذلك يغيب الفن والذوق والجمال عن ساحاتها العامة وعن جسورها وإنفاقها . نبني الجسور على الإنفاق والتقاطعات من الإسمنت وسط مدينة زينتها أحجارها ، وهي عاصمة بلد هويته الفنية والتاريخية تتجسد بالبتراء وجرش وقلعة عمون .لماذا لاتشيد الجسور بالحجارة وبالاعمدة التي تحاكي الفن النبطي والعموني والروماني . لمسات فنية بسيطة محدودة قامت بها الأمانة خلال العام الأخير خلقت مناظر ( للارصفة والدواوير ) تسر اعين الناظرين لكن عمان تحتاج لعمل كبير يمنحها هويتها الجمالية .
ثم لماذا نغزو المناطق الخضراء في المدينة بالابنية مع ان ما بقي في العاصمة من غابات وأشجار يوزن بالذهب . يكفي بناء كليات واسواق ومدارس داخل غابة الجبيهة وكأنه من الشروط العلمية ان تكون الجامعة وسط غابة او منعزلة عن ما حولها !. ان اشهر الجامعات في العالم تقع على الشارع العام . والسؤال : هل من الصعب ان تزين أسطح بيوت معظم احياء عمان بالقرميد بإعفاءات جمركية وتسهيلات اخرى من اجل القضاء على مناظر الأسطح التي تشبه ساحات السكراب بما فيها من خزانات ومواسير وستالايت .
– وليست مهمة وزير السياحة فقط استقدام الملايين من السياح القادمين من الخليج ومن الدول الأوروبية الذين يقفزون من فوق رؤوسنا الى تركيا والى اسرائيل ومصر . انها مهمة السياسة الخارجية والسياسة الحكومية بشكل عام التي لم تنجح في اقامة علاقات شراكة حقيقية مع المجموعات الإقليمية والدولية ، ليس على المستوى السياسي فقط انما في المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياحية وغيرها وغيرها . بلدنا موجود وسط دول وشعوب هواياتها السفر والسياحة ، هناك ملايين من السياح الباحثين عن شمس الشتاء من النرويج والسويد وروسيا وشمال اوروبا واليابان يذهبون الى قبرص والى شرم الشيخ وايلات ونحن لم ننجح في جذبهم الى اخفض بقعة في العالم ( البحر الميت )و الى اكثر المناطق سحرا وأغناها في الذاكرة الدينية والتاريخية للبشرية اجمع .
دعونا من رحلات جذب الاستثمار الى كل اصقاع الارض التي جاءت بنتائج اقل من متواضعة ، من الاجدى ان يقوم وزير السياحة بهذه الرحلات لبناء شراكات جاذبة للسياحة لكن اولا علينا ان ننجح في قيام شراكة ( سياحية وعلاجية ) بين القطاع الخاص وبين الحكومة تحدد ما يجب ان يُعمل لبناء بنية تحتية تمنح الاردن هوية سياحية إقليمية وعالمية ، الى جانب قيام شراكة بين الاردن وبين دول الخليج واليمن والعراق وتركيا تقوم على أسس التنمية والتعاون المشترك .
واخيرا : ان مسألة خلق بيئة اجتماعية بعادات وثقافات مريحة وجاذبة للسياحة العلاجية والدينية والتاريخية والسياحة المقيمة والموسمية لا تأتي بالحملات الموسمية ولا بعدد الفنادق والمطاعم الراقية ، انما ان يظهر المسؤولين والأثرياء في هذا البلد بانهم يعشقون جمال الطبيعة الاردنية ، وان يمارسوا من العادات ويقدموا من الاموال ما يدل على انهم يفضلون وطنهم بصحرائه وغاباته وغوره وجباله وطعم طعامه ونسيم هوائه على اي مكان اخر في الدنيا . عليهم اولا ان يقدموا القدوة للآخرين بما يقوموا به من مشاريع في القطاعات السياحية المختلفة . .. فمن اعجب العجائب انه مع وجود كل هذا الثراء المنتشر وسط المجتمع لم يتحرك راس المال لبناء فندق ٤ نجوم في غابات عجلون او في الاغوار الشمالية وانه برغم تدفق عشرات الالاف من المواطنين أسبوعيا على الاغوار في الشتاء للاستمتاع بشمسه لم نجد مطاعم شعبية للشواء وساحات عامة للعائلات ! لا يوجد الا الاشجار التي تنمو بدون ماء بهبة من الخالق .
بمثل هذه الاعمال ( وليس بالفنادق الراقية فقط ) يتم خلق الوعي بهوية الاردن السياحية . انها الهوية المرتجاة التي جعلت من لبنان ومصر وتونس على سبيل المثال دول بهوية سياحية في نظر السوق السياحي العالمي ، ولم تتغير هذه النظرة رغم كل الظروف التي تمر بها هذه البلدان في الوقت الحاضر . ان صناعة الهوية السياحية للاردن لا تكون بالحملات الموسمية انما بتحويل حقيبة وزارة السياحة الى اهم الوزارات ، الحقيبة التي تلتقي من خلالها كل خطط التنمية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى