
الخديعة الكبرى – 4
لقد أشرت باقتضاب الى الجوانب المخالفة فقط لما يتبع حاليا، وليس ذلك عرضا شاملاً لفكرة الدولة الحديثة المنبثقة عن الشريعة، بل لأسسها العامة.
قد يقول قائل، إن ماسبق قد تحققه الديمقراطيات الحقيقية فما الذي ستضيفه الدولة الإسلامية الحديثة ؟
الحقيقة أن الجوهر مختلف تماما لذلك فسيكون المنتج مخالف، وأهم تلك الأوجه :
1 – مبدأ الحاكمية لله تعني أن مرجعية الحكم هي لله تعالى، أي للعدالة المطلقة والحكمة المطلقة، لذلك فالمسار محدد وليس خاضعا لهوى المتسلط، فإن كانت توحدت الأصول فالخلافات في الفروع لا توجب الصراعات بل خلافات في الرأي. من ثمار ذلك أن الحاكم يبقى ملتزما بتطبيق التشريعات الإلهية التي لا تجيز شن حروب أطماع بذريعة حماية المصالح ( وهي السبب الأول لكل الحروب البشرية )، لأن الدين يحظر شن الحروب بالمطلق، هو يجيز الجهاد والمحصور بأنه في سبيل الله وفي حالتين فقط الدفاع عن الأمة أو العقيدة .
للتوضيح، فإن حروب الدولة الإسلامية الأولى كانت حروب الردة للدفاع عن العقيدة، ثم حروب تحرير أرض الأمة من الرومان ، فلما تحررت توقفت عند حدود بلاد الشام لأن الأوروبيين مؤمنون ( مسيحيون ) فلا إكراه لهم على دخول الإسلام، وبدلا من ذلك امتدت الفتوحات شرقا وغربا لنشر العقيدة بين غير المؤمنين ، ولم تكن الحرب استيلائية فلا قتال ضد من دخل الإسلام بل يصبح مستحقا لحقوق المواطن المسلم ذاتها.
2 – أسلوب اختيار الحاكم يتم من قبل نخبة حكيمة وليس كما يحدث حاليا وفق مصالح طبقة الأثرياء والمتنفذين .
3 – رغم أن الدستور مرن لخضوعه لاجتهاد أهل العقد والحل المنبثق من فهمهم لفقه الضرورة ومقاصد الشريعة، إلا أن كون منبعه من الشريعة يبقيه مصانا من تغولات التعديلات التي تحكمها مصالح محتكري السلطة.
4 – يتم اختيار الحاكم ( بغض النظر عن المسمى كان رئيسا أو أميرا ) بلا تحديد لفترة حكمه، حيث يبقى طالما بقي ملتزما بشرطي أبي بكر وعمر السالف ذكرهما، ومن يحدد ذلك من عدمه أهل العقد والحل ( مجلس الحكماء )، ذلك يؤدي الى استقرار النظام والمواطن.
5 – يجب التأكيد على مبدأ يجري الحديث عنه بإسراف لا مبرر له، وهو هل الدولة الإسلامية المفترضة ستكون مدنية أم استبدادية؟ المباديء التالية تؤكد تفوقها على الدولة الغربية المعاصره:
– مواطنو الدولة هم جميع سكانها بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين ( الناس سواسية كأسنان المشط ).بينما التمييز يمارس على نطاق واسع في أمريكا .
– حرية المعتقد نابعة من عدم جواز إجبار الشخص على دخول الإسلام ( لاإكراه في الدين ).في أوروبا لا ينال الشخص حقوقه إلا أثبت اندماجه في الثقافة الغربية.
– ليس من حق أحد الكشف على سرائر الناس لمعرفة درجة إيمانهم من كفرهم ( ليس عليك هداهم )، فهذه الصلاحية مقصورة على الخالق جل وعلا،لكن تسمح قوانين الغرب بالتنصت والإعتقال بناء على النوايا وليس الأفعال للمسلم فقط وليس لكل المشتبه بنية إجرامهم.
– واجب الدولة عمل كل إجراء ممكن للتشجيع وليس الإجبار على الإيمان والتقوى لأن به صلاح الأفراد والمجتمعات، وبالتالي عليها درء المفاسد التي تؤدي الى العكس مثل شيوع الفاحشة والمجاهرة بارتكاب المعاصي والتحريض على الفسوق والكفر.في النظام الغربي تتخلى الدولة عن مسؤولية حماية أخلاق المجتمع.
– في الدولة الإسلامية يعفى غير المسلمين من الزكاة والجهاد مقابل البدل النقدي المكافيء، في النظام الغربي هنالك قوانين خاصة للأقليات تبقيها دافعة للضرائب لكن بحقوق منقوصة إلا إن تخلت عن خصوصياتها واندمجت تماما في عقيدة المجتمع (يسمونها ثقافة المجتمع).
وسنكمل غدا في البعد الإقتصادي بإذن الله.
