( السابع من نيسان و حقائق لن تطويها صحائف النسيان )
مهند أبو فلاح
قال رب العزة و الجلال في محكم تنزيله من القرآن العربي المجيد ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ” ﴿١٨﴾ – سورة الأنبياء .
السابع من نيسان ليس يوما اعتياديا في تاريخ الأمة العربية المعاصر فقد شهد حدثا تاريخيا قبل خمسة و سبعين عاما من الآن و هو تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في العام 1947 الذي لعب دورا مؤثرا في مجريات الأحداث خلال النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم و في مطلع القرن الحالي و ما زال قائما رغم كل الظروف التي عصفت بهذه البقعة الملتهبة من العالم ، و بالرغم من ذلك فإن هنالك كثيرا من الحقائق التي ما زالت مغيبة عن الشارع العربي بعامة و الاردني بخاصة و التي يجهلها العديد من الناس حتى في أوساط النخب المثقفة فيما يخص تأسيس هذا الحزب العريق .
لقد تعرض البعث الى جريمة تشويه و تحريف بالغة في الخسة و القذارة و الحقارة بكل ما تحويه الكلمة من معنى لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية و الانسانية جمعاء منذ بدء الخليقة حتى وقتنا الحاضر لا يشبهها الا ما تعرضت له نصرانية السيد المسيح عليه السلام من قبل على يد حفنة معروفة من شياطين البشر الذين قست قلوبهم و تحجرت على نحو يبعث على الذهول و الدهشة من حجم الحقد الدفين المتراكم في اعماق هؤلاء المتحللين من ابسط القيم الانسانية ، و جاء أحفادهم الغادرين من بعدهم لينسجوا على نفس منوالهم و يحيكوا مؤامرة لا تقل عن سابقتها فحشا و مقتا و خبثا لكن هذه المرة ليس ضد دين سماوي بل ضد حزب البعث العربي .
مصطلح المؤامرة الذي يرفضه بعض الدهاقنة المتحذلقين من أعداء امتنا العربية المجيدة حاملة لواء الرسالة الخالدة المتسترين بعباءة و ثوب الفكر من أشباه الرجال و لا رجال و من أنصاف المثقفين و أرباعهم ، نجد له سندا شرعيا في تراث أمتنا الضارب الجذور في عمق التاريخ الإنساني لكن المنهج العلمي المبني على تتبع المسار التاريخي لجذور هذه الفعلة النكراء يقتضي منا أن نعود الى أصل الحكاية و تلك المحطة التاريخية الهامة في حياة مؤسس البعث الاستاذ أحمد ميشيل عفلق رحمه الله تعالى أي العام 1943 و تلك المحاضرة التي ألقاها في جامعة دمشق بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف و حملت عنوان ” ذكرى الرسول العربي .
عبر هذه المحاضرة الآنفة الذكر قدم الأستاذ عفلق خلاصة رؤيته للعلاقة بين العروبة و الإسلام على ضوء دراسته العلمية المنهجية المنضبطة لمساق تاريخ الأديان المقارن في جامعة السوربون بباريس حيث تخصص في هذا المجال و حصل على درجة الدبلوم العالي فيه بعدما أنهى بنجاح متطلبات مرحلة البكالوريوس في الفلسفة و التاريخ من ذات الجامعة ، حيث يمكن اعتبار الأستاذ عفلق أول باحث عربي و بلا منازع يستخدم الهيرمينوطيقا ( التأويلية التاريخية ) —-التي ابتكرها عالم اللاهوت الألماني اللوثري الانجيلي “فريدريك أوجست شلايرماخر” خصيصا لاستخراج الحكمة الالهية من بين ثنايا نصوص العهدين القديم و الجديد اي التوراة والإنجيل —– في دراسة الدين الإسلامي الحنيف و نصوص القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة المطهرة .
اللافت للانتباه حقا بل الامر العجيب الغريب بالفعل !!!!!! أن هذه المحاضرة كانت سببا مباشر في اعتناق شاب عربي مسيحي سوري من قضاء الحفر التابع لحمص للاسلام مغيرا و مبدلا اسمه من عبد المسيح الى جهاد ، و لم يكن هذا الشاب سوى جهاد ضاحي ” أبو عامر ” أحد أبرز مؤسسي و قادة حركة القوميين العرب في سورية و الذي شغل لاحقا منصب وزير المواصلات لفترة وجيزة بعيدا 8 آذار / مارس 1963 قبل أن ينشق و يغادر الى منفاه الاختياري في القاهرة بعيد ذلك .
في ذلك الوقت أحدثت تلك المحاضرة التاريخية القيمة جدا زلزالا مدويا ليس في دمشق الفيحاء فحسب بل ترددت اصداؤها في قلب تل ابيب حيث دق و قرع ناقوس الخطر على يد أحد أخطر الشخصيات الصهيونية الشامية الدمشقية المولد ألا و هو الياهو بن ساسون رئيس القسم العربي في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية آنذاك .
كان بن ساسون هذا بمثابة الرجل الثاني في هذه الوكالة و الساعد الأيمن لرئيسها في حينها أي دايفيد بن غوريون الذي سيصبح بعد ذلك بخمس سنوات فقط أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني الغاصب فوق تراب فلسطين السليبة ، و لم يكن بن ساسون مجرد شخصية عادية عابرة بل كان الخبير الاول المختص في رصد و متابعة أدق تفاصيل المشهدين الثقافي و السياسي في بر الشام و ساحلها أي في سورية و لبنان ، و هو الرجل الذي سيتكفل لاحقا بصياغة وإعداد عملية محاكاة لتحريف النصرانية لإسقاطها و تطبيقها على البعث في وقتنا الحاضر .
لعله من المفيد في هذا السياق ان نذكر بأن الياهو بن ساسون قد شغل منصب سفير الكيان الصهيوني في روما العاصمة الايطالية لمدة سبع سنوات خلال الفترة الممتدة بين العامين 1953 و 1960 ، و ان أبواب مكتبه الفاتيكان القيمة جدا بما تحويه من كتب و مخطوطات تاريخية لا تقدر بثمن قد فتحت له على مصراعيها من باب تقديم يد المساعدة له و العون في مسعاه الخبيث الماكر هذا !!!!!!! و ان نفوذ هذا الرجل لدى الكرسي الرسولي قد بلغ أوجه و ذروته في العام 1960 حينما قدم البابا يوحنا بولس الثالث عشر اعتذارا واضحا صريحا عن دور الكنيسة الكاثوليكية في نشر ما يسمى بمعاداة السامية !!!!!!!!!!!!
في العام 1966 و تحديدا بتاريخ 18 كانون ثاني / يناير سيلقي الأستاذ عفلق كلمة مطولة في اجتماع حزبي لفرع الأطراف عقد في العاصمة السورية دمشق سينزع و يسقط من خلاله الشرعية الحزبية بشكل كلي و مطلق عن اللجنة العسكرية المتنفذة أوساط الحكم في البلاد حينها ، و قد حملت هذه الكلمة التاريخية عنوان النضال ضد تشويه الحزب ، و وجه عبرها اتهامات غاية في الخطورة ، و صدق رب العزة و الجلال إذ يقول في محكم تنزيله ” وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ﴿١٩٩﴾ – سورة آل عمران .
بيد أن الأمر العجيب الغريب هو أن بن ساسون الذي سيرشحه مجلس وزراء الكيان الصهيوني لشغل منصب رئيس الدويلة العبرية المسخ سوف يصاب بالشلل النصفي في أوج فرحته و سروره بهذا القرار الذي بلغه به هاتفيا صديقه الحميم دايفيد بن غوريون شخصيا رئيس وزراء العدو الغاشم ، علما بأن منصب رئيس الكيان الصهيوني لا يمنح إلا لمن قدم خدمات عظيمة لا تقدر بثمن للعصابات الصهيونية المغتصبة لفلسطين .