الدولة : من الدور الوظيفة الى الدور الضرورة/ الاستاذ الدكتور عبدالله النقرش

انطلاقا من اللحظه الراهنه والواقع الذي صارت اليه حقيقة ثابته ومستقرة, سواء كان انشاء الدولة الأردنية سياقا تاريخيا اقتضته تفاعلات الحرب العالميه الاولى كأحد أقاليم وتقسيمات سايكس-بيكو, أو كانت ترضية للهاشمين كقادة للثورة العربية الكبرى التي أٌجهض مشروعها العربي الاستعمار الغربي( بريطانيا وفرنسا) , أو كانت ضرورة استراتيجية اقتضتها المشروعات الدولية المتربصة بالمنطقة, الا أنها تطورت استراتيجيا ووظٌيفيا من دولة عازلة بين مراكز الثقل السكاني في المنطقة والمشروع الصهيوني الغربي في فلسطين لتصبح ضرورة استراتيجية للاقليم برمته.

ليس من الحكمة افتراض أن التطورات الدولية تجري لمستقر لها يسهل التحكم بها دائما حتى لو كان المحرك الاساسي لهذه التطورات القوى العظمى.
فدائما ما تتضمن التحولات الجاريه في منطقة ما فواعل غير قابلة للضبط والسيطرة والتوجيه. ويعتمد التأثير في نتائجها على قدرة العناصر الذاتية التي تبدو هامشية في بعض الحالات على استثمار الفرص التاريخيه التي تتاح عبر فجوات التحولات , أو عبر التناقضات المحتملة بين قوى الفعل الخارجية.
فبغض النظر عن قيام الدولة الأردنية بوظيفتها الاساسية استراتيجيا :عزل مناطق الفعل السياسي الاقليمي عن المواجهة المباشرة في الصراع العربي الاسرائيلي ( العراق, سوريا, مصر, السعودية) من جهة والكيان الصهيوني من جهة ثانية, أو استيعاب مخرجات القضية الفلسطينية (لاجئين , قوى فعل سياسي, مستلزمات التوطين والاستيعاب لمجاميع بشرية متنوعة) فبغض النظر عن هذه الوظيفة, الا ان ذلك لم يمنع من قيام دولة لها قوة عسكرية معتبرة, ولها مؤسسات على درجة معقولة من الرسوخ , وتمثل حالة من الاندماج الاجتماعي ولو نسبيا , وتحظى بمستوى معقول من الشرعية على مستوى السلطة الحاكمة أو مستوى العملية السياسة .

نعم هنالك الكثير من الملاحظات والتفاوت في الفهم لكل هذه التعبيرات , الا أن أهم ما نتج عنها توفر امكانية لا باس بها للبقاء وضعف احتمال التحول لدولة فاشلة كغيرها, ولربما يكون الوعي الشعبي العام على مستوى الادراك المناسب لمصالحه وضرورات العيش المشترك. وادراك المخاطر المحتملة لأي عوامل من عدم الاستقرار.

اذن, نحن أمام حالة من الدول التي يمكن اعتبارها خارج عنق الزجاجة الخانق الذي وقعت به المنطقة , فعلا او احتمالا.
أي أننا في حالة من الوعي المتوافق بين السلطة السياسية والشعب على اختلاف فئاته , يدرك بأن حالة عدم الاستقرار فيما لو نشأت لسبب ما, ستهدد بقاء الدولة من أساسه وهذا ما لا يقبل به احد مهما كان تقويمه للنظام السياسي وسٌاساته, فضلا عن أن يسعى اليه , وان حدث لا سمح الله أن فكر بهذا السعي أحد فسيجد الشعب الأردني كله في مواجهته.

وعليه فنحن بصورة ما امام حالة من التضامن الوجودي سداها ارادة العيش المشترك والقبول الشرعي بالوجود وتفعيله الى أقصى مدى لانه لا بديل لذلك ولا مجال في ذلك للامتحان. وهذه الحالة تمثل نوعا من تمركز القوة الاجتماعيه وغير قابلة للقهر من أي جهة.
انها اذا مسؤولية عظيمة على أصحاب القرار بأن وظيفتهم الاساسية هي المحافظة على هذه الحالة الوطنية وتدعيمها. وهذا يعني المزيد من تأكيد الشرعية , والتأكيد على الثقة بالنفس لاستثمار هذه الميزة في العلاقات الخارجية مع كل الاطراف الاقليمية والدولية.
ان البرنامج المطلوب لتاكيد الشرعية وتفعيل أو استثمار الميزة الوطنية تكمن في الاجابة على الأسئلة التالية:
اولا: لماذا لا يصار الى المزيد من الديمقراطية والمشاركة كي تتحقق الوحدة السياسية الوطنية والفاعلة , ولاءا وانتماءا ومشاركة, وفاعلٌة, ونظام دفاع عن الدولة والوطن والمصالح؟؟

ثانيا- بماذا يمكن أن تتأثر دول الخليج العربي والسعودية على رأسها , في هذه الأزمة لو لم يكن الأردن على ما هو عليه الان؟
ثالثا- ماذا يمكن ان تتأثر مصر , لو فتح الاردن أبوابه كما حدث في فترة الخمسينات والستينات , او كما تفعل تركيا اليوم , لكل ما هو معارض للنظام السياسي الراهن على الرغم من الاختلاف او الاتفاق معه؟

كيف يمكن أن تتطور التفاعلات في سوريا , بالنسبة للحكام , أو للمناهضين لهم. لو كان موقف الأردن وعلاقاته غير ما هي عليه اليوم بالنسبة لكل الأطراف؟
ماذا كان يمكن ان يحدث للعراق لو لم يكن الأردن على ما كان عليه موقفه في الثمانينات والتسعينات من القرن السابق, وماذا يمكن أن يحدث لو كان موقفه الان غير ما هو عليه بالنسبة للحاكيمين في العراق الان؟ او حتى للشعب العراقي على اختلاف طوائفه؟؟

أما بالنسبة لحجر الرحى في كل مشاكل المنطقة( الكيان الصهيوني) , ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الاردن غير ما هو عليه تاريخيا وراهنا؟؟؟

هذا على المستوى الاقلٌمي, ولسنا من الطموح بحيث نسعى لفرض انفسنا على المستوى العالمي بالقدر والطريقة نفسها, ولكن الم يثبت لكل العالم أن العقلانية الاردنية , والنزوع نحو السلام وخدمة السلام العالمي هي من الأمور المميزة لدولة صغيرة بحجم الأردن, ويقتضي الأمر احترامها وتدعيمها والمحافظة على مصالحها؟؟

نحن لا سمح الله لا ندعو الى سياسات الابتزاز والاستغلال وانتهاز الفرص, ولا ندعو الى اعادة الاصطفاف , بل اعادة التموضع, وانما نسعى الى أن يكون موقفنا التفاوضي قوي ومفهوم, وندعو الى احترام وتقدٌر مصالحنا ومسؤولياتنا, بعيدا عن الارتهان او الاذلال أو التجاهل.
فلدينا الكثير مما نفعله لمصلحة الجموع, وهنالك ما يمكن أن يتطاي شرره يٌما لو تعرضنا لا سمح الله لاي اختلال أو ضعف.
نحن قوم بلا مطامع خارجية وطموحنا أن نكون في حالة استقرار وقوة وعلاقات جيدة مع الجميع.
نعرف أننا لا نسعى الى ولا نقرر مستقبل المنطقة او العالم, ولكننا نعرف أننا أقوى من أن نتحول الى دولة فاشلة, ولنا القدرة على الحفاظ على أمننا وبقائنا وعيشنا وكرامتنا, بل نعرف أننا ضرورة للاخرين اكثر مما يعتقدون أو يعتقد بعضنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى